عندما ينشر قميص الحسين في السماء مخضبا بدمائه في شهر محرم الحرام، ينشر في الارض العزاء والبكاء فتبدأ الاصوات الحسينية في النعي والمواساة وقراءة مصيبة الحسين واهل بيته (عليهم السلام)، فيجتمع سكان السماوات والارض على صوت الزهراء وهي تنعى ولدها الذي قضى عطشانا في وادي كربلاء، فقد روى أبو بصير عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال له: "يا أبا بصير إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفر جهنّم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها، في الرواية المتقدّمة أنّه قال له: "يا أبا بصير، إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق".
وورد أيضاً في وصف أحوال المحشر أنّه "يقبل الحسين عليه السلام ورأسه بيده فإذا رأته (فاطمة) شهقت شهقة لا يبقى في الجمع ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن إلّا بكى، ثمّ تأخذ في التظلّم وترفع القميص بيدها وتقول: "إلهي، هذا قميص ولدي".
وطالما وردت الروايات حول اقامة اهل البيت عليهم السلام مجالس العزاء والبكاء والتباكي على الحسين حتى قيل عندما يدخل شهر محرم الحرام لا ترى منهم ضاحكا، علت ملامحهم الحزن والندبة على جدهم الحسين كما ورد في زيارة الناحية عن الامام المهدي وكيف ينعى جده الحسين ويسلم على كل قطعة من جسده وهذه هي الزيارة النادرة التي ذكرت تفاصيل الواقعة واسماء الشهداء، فلكما تقرأ زيارة الناحية تشعر بأن الامام المهدي يبكي ويتحسر على جده، ولكونه غائبا عنا حاضرا في قلوبنا شاركناه في لوعة مصابه، وما جرى على الحسين من المحن والرزايا وطريقة القتل وسبي عائلته، فكان يوما لا شبيه له في تاريخ البشرية وصدق عندما قال الإمام زين العابدين عليه السلام: "لا يوم كيوم الحسين عليه السلام".
لكل امام غصة في قلبه وينعى على طريقته، ولولا هذه الحسرات وتخليد الواقعة لما وصلت لنا جمرة المصاب، فكل سنة تزداد حرارة الحسين في قلب محبيه وشيعته، بين قارئ وبين خادم وبين شاعر ينشد في الحسين ابياتا، وبين مسكين لا يملك غير الدمعة فيجود فيها الى الحسين فقد قيل: تبكيك عيني لا لاجل مثوبة وانما عيني لاجلك باكية.. لاجل زينبا تبكي عيوني، فكلما سمعنا صوت: اه يا حسين ومصابه، تغدوا عيوننا تذرف ما فيها من الدمع، وترفع اليد لاطمة على الصدر بتلك الضربة، كل هذه المراسيم هي تراث القضية الحسينية، فقد توارثناها جيلا بعد جيل، وان دخل بعض المخربين لتغيير مسار هذه القضية الا انهم خرجوا منها خائبين، كالذي قطع الطريق على الزائرين وقطع ايديهم وارجلهم، ولم يكتفوا بهذا فقط بل اقاموا بوضع ضريبة مالية، ويأبى الحسينيون ان يخضعوا لهم فقدموا اغلى ما يملكون، ارواحهم واموالهم في سبيل الحسين وصوت الحسين، فخسروا اعداء الحسين كل المحاولات تلك..
وان كانت الحرب على الشعائر ما زالت قائمة، فالبعض اصبح يدس السم بالعسل، ويطبل معهم، فلكل عصر يزيد الا ان يزيد هذا العصر هو محاربة شعائر الحسين..
وان بعض الشعراء كان اهل البيت يدعون لهم كالفرزدق، وعوف بن عبدالله، والكميت، وعبدالله بن كثير، والسيّد الحميري، ودعبل الخزاعي،عندما انشد في تائيّته المعروفة في محضر الإمام الرضا عليه السلام واصفاً حال سيّدة النساء عليها السلام:
أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَدَّلاً ***وَقَدْ مَاتَ عَطْشَاناً بِشَطِّ فُرَاتِ
إذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ***وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ في الْوَجَنَاتِ
أَفَاطِمُ قُوْمِيْ يَا ابْنَةَ الْخَيْرِ وَانْدُبِيْ***نُجُوْمَ سَمَاوَاتٍ بِأَرْضِ فَلَاةِ..
في حديث عن الامام الصادق (ع) انه قال: ما قال فينا قائلٌ بيت شعر حتى يُؤيَّد بروح القدس..
قال الرضا (ع): ما قال فينا مؤمنٌ شعراً يمدحنا به، إلا بنى الله تعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات، يزوره فيها كل ملَك مقرّب، وكلّ نبي مرسل.
ونقل عنه أيضاً: "ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنّة وغفر له" (رجال الشيخ الطوسي:289)، وأوصى الإمام الرضا عليه السلام دعبلاً بالقول:
"يا دعبل، إرثِ الحسين عليه السلام فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيّاً فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت".
اولئك قدموا للحسين باقات حروف نافعة كسبوا فيها أجرا من الله ومعرفة للناس، فجيل اليوم بحاجة الى استماع وسرد ما جرى، لذا يجب ان نحسن التصرف في اختيار الشعر والقارئ (وقفوهم انهم مسؤولون)، فماذا سيكون جوابنا، عندما نسمع شكوى الزهراء عليها السلام .
اضافةتعليق
التعليقات