تقول قاعدة الأساس الثاني: [اربط توجيهاتك دائماً بالعقيدة، والدين، والقيم الإلهية العظيمة، ولقد كان هذا هو أسلوب الرسول (صلى الله عليه وآله سلم): "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، و"مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إلى جارِهِ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمنُ باللَّهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا"(١)، وهكذا هو ليس حديث عابر بل دين وعقيدة وإيمان ](٢).
هناك حقيقة اعتدنا جميعًا على سماعها وهي أن ما يهون صعوبة تسلق الجبال هو أننا نترقب بلوغ قمتها، نتخيل حلاوة ولذة وجمال تلك اللحظة التي سنصل بها أقصى نقطة لا يمكن للكثير الوصول إليها، فمن كان قوي ومتميز بقدراته البدنية، واصراره وغيرها هي ما تجعله يتحمل الصعوبات والمخاطر، لأن أمامه هدف واضح وواقعي، وبالمواصلة يصل له حتمًا.
وهكذا فإن كل شيء يفعله الإنسان المُوحد إن كان نابعا من رؤيته لتلك القمة -أي الإيمان الراسخ في القلب الموصل للفلاح، والعمل الصالح الموجب لحُسن الختام- فما يحمله من يقين بكونها حقيقة ثابتة وواضحة لا لبس فيها، هي لا تتغير ولا تتبدل، لن يستصعبها أو يستثقلها، بل تكون دافعا وحافزا يضعه أمامه ليستمر على ما هو عليه؛ فلا يستصعب رحلة الكدح حتى يصل إلى ما يراد له أن يصل إليه ويبلغه.
فحافز ربط النهايات بالبدايات، ربط نحن من أين أتينا وأين نحن ولمَ نحن هنا؟ وإلى أين ماضون؟ وماذا ينتظرنا؟ وما هي الأمور التي تجعل ما ينتظرنا جميل وطيب؟ عندئذ ندرك إننا نحن المنتظرون له لا العكس؛ هنا كم إن حافز هذا الإنسان سيكون أكبر، ونَفسه أطول وسعة صدره أوسع وأكثر انشراحًا، لكل الاختبارات والصعوبات التي يواجهها في مسيرةِ كدحه هذه.
فالابن الذي يُغرس به هذا الدافع وهذه النظرة لوجوده، وهذا الوعي في كل توجيه يصرح به أحد الأبوين إليه، هو سيكون مصغيًا ومطيعًا، بل وممتثلًا عن حب وقناعة لكل ما يوجه إليه؛ فلا يضعف أمام أي تيار فكري، أو برنامج ترفيهي، او تطبيق استنزافي لطاقته، لأنه يَرى إن كل لحظاته وأفعاله وسلوكياته، إنما هي بأثمان هو يبيعها إما للمخلوق أو للخالق.
هو إما ينفقها في طاعة ربه، ليتزود لآخرته، ويعيش حياة طيبة في دنياه أو لا! يصرفها في اللهو واللعب متناسيًا، غافلًا عما يُحتم عليه إيمانه من وجود يوم سيعود فيه إلى إله العالمين، لينال جزاء ما كسبت أياديه، فيكون ذو إيمان لكن سطحي، وعقيدته غير فعالة بل مخزونة بداخله غير ظاهرة للعلانية في سلوكه.
لذا مهم جدًا جعل نظرة الأبناء لكل خطوة وعمل يخطونها وفق مقياس إلهي، مرتبط بما سيأتي بعد هذه الحياة، لا أن يكون الأمر طارئ في حياتهم، بل يكون منهجا يسيرون عليه.
والنماذج الطيبة الحقيقية في المجتمع تلك التي تربي أبنائها منذ أول لحظة على أجواء ذكر الرحمن وتلاوة وحفظ آيات القرآن، وخدمة أهل البيت عليهم السلام، وحسن الأخلاق تراهم صغارًا ولكن بقلوب واعية كبيرة منيرة، لذا أمثال هؤلاء هم فسحة أمل لكل يائس من صعوبة التربية الدينية في هذا الزمن.
وأيضًا مسؤولية لمن يريد أن يكون ضمن المجتمع المهدوي الآن وعند الظهور الشريف وهو ممن يحمل دين، بأن يُكَون هكذا نموذج أسرية، بحيث يطمح أن تمتد جذور تربيته إلى ذلك الجيل القريب أو البعيد من مجتمع إمام زمانه (عج)، ولا يكتفي بالتمني أو الفرح بوجود هكذا نماذج طيبة هنا أو هناك.
___
اضافةتعليق
التعليقات