حينما ينتابهم الشعور بالخوف يستشري داخلهم دون دراية ليتداخل أفكارهم فتغادر الإرادة والثقة بالنفس وتتهاوى حتى تتلاشى ليستوطن الخوف قلوبهم ويشكل حاجزا يحول بين قدراتهم المكبوتة وتفجير طاقاتهم وبين الوصول إلى أهدافهم وطموحاتهم وأمانيهم, هناك بعض الناس نفوسهم مرهفة ومشاعرهم ترفة تخلو من الصلابة اذ يخشون مواجهة الواقع خوفا من الفشل او الصدمة فيسلكوا طريق الهرب والتراجع من أي شيء يعترض محطات حياتهم تكون فيها معرقلات, فماذا يعد الخوف لهم؟ وما الذي يختبئ وراء هذه الكلمة يا ترى؟ والى أي طريق تقودهم مخاوفهم؟ ولماذا ينتاب المرء الشعور بالخوف؟.
طوفان الخوف
هناك الكثير من الناس يقودهم الخوف الى الضياع في دوامة الحياة, مثلما حصل مع كمال احمد/ 55 سنة حدثتنا شقيقته عن مخاوفه التي قادته الى الضياع بعد فشله في اربع تجارب زواج وذلك لتخوفه من المستقبل بعدم تحمل المسؤولية فرسم لنفسه حياة مكللة بالمصائب من نسج خياله مما جعله في مرور الزمن يؤمن بها ويعيشها في الواقع فقالت: "في كل مرة يخلق المشاكل حتى ينتهي زواجه بالطلاق لأسباب تصنعها مخاوفه, فانتهى زواجه الاول بطلاق لخوفه من المسؤولية لأنها أخبرته بحملها, والثاني رفضه لعملها وإرغامها على تركه خوفا من أن تكون أفضل منه, والثالث رفض الإنجاب تحت عذر بأنه لا يحب الأطفال والعكس هو الخوف من المسؤولية وتحملها, وزواجه الرابع من شابة يافعة حول خوفه إلى شك فأخذ يراقبها حتى أصبح الشجار لغة حوارهما, فتحول خوفه إلى مرض مزمن حول حياته الى جحيم, بقي كمال وحيدا بسبب الخوف الذي أبعده عن الناس فكان يتهرب حتى من الحديث معهم, كان يملك كل شيء إلا الإحساس بالطمأنينة بمن حوله والثقة بنفسه".
بينما الأخ الأكبر مهند استهل حديثه إلينا عن أخيه الأصغر مثنى عبد الحسين/ 28 سنة: "تخرج اقرانه ومنهم من حصل على عمل ومنهم من تزوج وأصبح أب إلا هو, قالها بحزن عميق على حال أخيه ثم استطرد قائلا: لقد ترك تعليمه بعدما فشل في السنة الأخيرة في مرحلة الثانوية على أمل انه سيعاود في السنة القادمة لكنه بقي يؤجل إكمال دراسته خوفا من ان يفشل ويكثر اللائمون عليه بالتشدق بالكلام, حتى العمل فلم يكن يسعى بتأمين لنفسه عملا مناسبا, كان الخوف يطارده حتى من التواصل مع الناس من اجل أن لا يسألوه عن تفاصيل حياته او ما شابه, بقي الخوف يكبر بداخله حتى وصل إلى مرحلة الاضمحلال وما عاد يهمه شيء وهاجس الخوف الذي استكان بداخله شتت أفكاره تماما".
ختم حديثه قائلا: "بقي مثنى كما هو لم يهتدِ إلى تحقيق اي شيء من أحلامه كما كان يخبرني عنها في الماضي بانه سيفعل كذا وكذا وكذا, الشعور بالخوف كون له التردد الذي حال دون مواجهة مخاوفه, لا أرى بأنه سيتغلب عليها فسر النجاح في الحياة هو الاستعداد للمخاطرة دون تردد واحتمالية الفشل لا توقع الفشل قبل وقوعه الذي يقود إلى الإحباط فينتهي بهم الامر بعدم تحقيق احلامهم مدى حياتهم".
فيما تسرد مناهل حسين/ 50 سنة حكايتها قائلة: "انا من ضيعت نفسي وبقيت اتبع مخاوفي, حصلت على ماجستير في اللغة العربية وراحت الافكار تكبر بداخلي بأن الزواج والأسرة ستحول دون نجاحي وارتقائي وبأن الزوج سيتدخل في حياتي العملية وسيعرقل طموحاتي, والاطفال سيشتتون افكاري وسيضيع وقتي بتربيتهم, وراحت فكرة الخوف من الزواج والمسؤولية تحتل حيزا في كياني".
وتابعت حديثها بندم: "نجحت بعملي ولكني فشلت فشلا ذريعا في حياتي الاجتماعية بتكوين عائلة تسعدني وأسعدهم وأكون بينهم في كبري, مضت السنوات حتى راح الشباب وولى, وأدركت فيما بعد إن لا صحة لكل تلك المخاوف التي تأبطت بها وحالت دون ان اكون سيدة ناجحة وزوجة صالحة وام حنونة, لكني ادركت ذلك بعد ما أصبحت عانسة".
رؤية نفسية
ان الطبيعة البشرية بعضها تميل الى تضخيم الامور والمبالغة في تقدير المخاطر والعقبات في الحياة ومعطياتها اكثر من حقها, فالخوف والتردد والشك يجعلهم يتوقعون الفشل فيتسرب إلى نفوسهم حتى يشعرهم بالعجز, وحول مسببات الخوف حدثتنا استاذة علم النفس نور مكي الحسناوي قائلة: "ان مسببات الخوف كثيرة ومتنوعة, ولا تخلو حياة الإنسان من اي مسبب للخوف ومنها الخوف من الامراض, او الفقر, او الحروب, او الفشل, او الموت, او المستقبل المجهول وغيرها من الاسباب".
وتضيف الحسناوي: "وليس المطلوب منا كيفية التعامل مع الخوف, وإنما المطلوب هو اجتثاث هذا الخوف من عقولنا وافئدتنا, فخوفنا أكثره أوهام طوقتنا حول أنفسنا, لهذا يتطلب الأمر إعادة التأمل في حقيقة الخوف والتأكد من صحة رؤيتنا فقد يتحتم الامر اعادة صياغة لافكارنا ومفاهيمنا نتيجة للمسؤولية, فالعمل خارج المنزل وغيرها من الضغوط التي تمر بها المرأة في حياتها اليومية تجعلها اكثر عرضة للخوف من الرجال بصورة عامة وذلك لكثرة العوامل المسببة للخوف".
وأشارت إلى: "إن أول خطوات عيش الحياة بلا خوف ان يلجأ المرء للاعتراف بينه وبين نفسه بمخاوفه للتغلب عليها وتخطيها, فالجهد الذي يبذله في إخفاء مخاوفه يعرضه للمتاعب والاضطرابات النفسية الشديدة, فالخوف ينقسم إلى شطرين الخوف من مواجهة المشاكل والناس وهو ناتج من التردد والقلق اللذان يكونان الملاذ الوحيد داخل الشخص, لكن لو اعترف به بداخله وواجهه مع نفسه فسيتبدد ذلك الخوف وينقشع وذلك عندما يتقبل حقيقة إحساسه به, فهناك بعض الأشخاص لديهم خيال واسع من التكهن بوقوع الحوادث وهي قد لا تأتي ابدا, فقد يشعر البعض بالخوف والفشل او الاحباط وفقدان الامل في مراحل معينة من حياتهم سواء العمل او الدراسة لكنهم لو تحدوا ذلك الخوف بقوة العقل الباطن وبعدة خطوات يمكن ان تساعد على التحفيز الذاتي لتحقيق نتائج جيدة والنجاح في عمل ما".
اضافةتعليق
التعليقات