كثيرة هي أزاهير الحكمة في سورة يوسف.. ومحطات التأثير هي الأخرى حاضرة في أروقة النور بين صفحاتها المباركة ، وأكاد أجزم أنّ كل آية من آياتها تنطوي على حكمة حياتية ، لو تأملها التالي لكتاب الله ببصيرته لا ببصره.
إلا أنّ الآية التي أثّرت فيّ وزادتني ايمانا بالله وايمانا بقوّته وقدرته على الانصاف بين عباده ، هي الآية التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها وعلى لسان أولاد نبيّه يعقوب عليهم السلام :((قَالُوٓاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِى نَفْسِهِۦ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ)).
هذه الآية تنطوي على حكمة كبيرة مفادها : أنّ الانسان مهما وقع عليه من الظلم والافتراء والكذب ، عليه أن يصبر ويُبدي قدرة على التحمل وطاقة على الكتمان ، إيمانا منه بأن الله وبقدرته اللامحدودة هو الآخذ له ، وأنه تعالى يُظهر الحقيقة ولو بعد حين.
فكلمة : أسرها في نفسه ولم يُبدها ، تدل على طاقة جبارة تزود بها النبي يوسف عليه السلام ، واستشعرها لتكون قيمة أخلاقية يتسلح بها في مواقف العنَت واللجاجة والبهتان .
المفسّرون تعاطوا بطريقتين مع موضوع السرقة فبعضهم نفاها بإعتبارها تهمة ولا تليق بنبي ، وبعضهم صدّقها بإسرائيليات كسرقة صنم أو حزام أو لحمة!!
وبغض النظر عن ذلك كله ، لابد أن نعلم أنّ نبيا حكيما كيوسف عليه السلام ، لا يمكن أن يُستفز بعبارة وتكون النتيجة إفشال إحدى مخطّطاته.
ومن هذا المنطلق ينبغي للدعاة إلى الله أن يتقمصوا الدور اليوسفي ، وأن يتحلّوا بالشجاعة وسعة الصدر واستيعاب الآخرين ممن يحاولون النيل أو الاساءة أو حتى تشويه السمعة .. وأن يغضّوا الطرف عن الإساءات التي تطالهم شخصيا في طريق الدعوة إلى الله تعالى.
وقبل هذا لابد من الثقة بالله والاتكال عليه ، والاستعانة بحول الله وقوته ، ومن دون ذلك لا يستطيع الإنسان مهما كان صبره ووعيه أن يواصل ويستمر في سيره الحثيث نحو الله .
فالدعوة إلى الحق رسالة كل مسلم ، يتخذ من الاسلام شعارا له في الحياة ، وهذا الطريق شائك وصعب تحفّه المتاعب ، وتثقل خطوات السالكين فيه بمختلف صنوف الآلام والمحن والإبتلاءات.. فطريق الجنة هو طريق ذات الشوكة كما عُبّر عنه في أدبياتنا نحن المسلمون ، ولا غرابة في نيل صاحب الدعوة نصيبا من الجحود والأذى من أقرب المقربين إليه.
فالذين يصبرون على السير على الطرق الوعرة والصعبة والشاقة قليلون . أما الطرق والمسافات القصيرة فروّادها كثيرون وعلى مد البصر ..
لذلك يُكثر الناس من الإقبال على الدنيا ، ويقل دائماً المقبلون على الآخرة ، لأن الناس ينالون متاع الدنيا بطرق يسيرة وسريعة ، أما متاع الآخرة فلا ينالونه إلاّ بعد جهد جهيد ومشقة وعناء (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).
إلا أنّ ما يهوّن الأمر على الداعي ، أنه بعين الله تعالى وفي سبيله ، وأنه عزّ اسمه هو من يوفّي الحساب ويؤجر السائرين والداعين إلى نهج السماء.
اضافةتعليق
التعليقات