من المفاهيم التي لعبت دوراً في تثبيت أركان المجتمع الأول للمسلمين هو مفهوم المساواة في الإسلام حيث يعد مبدأً أصيلاً في الشرع، فقد أولاه الإسلام أهمية فائقة على خلاف الحضارات التي سبقت الإسلام كالحضارة المصرية والفارسية والرومانية، إذ كان سائداً تقسيم الناس إلى طبقات إجتماعية لكل منها مميزات خاصة وأفضلية معينة تبعاً لموضوعها الإجتماعي، فقد يكون راقياً وقد يكون متديناً.
ولئن غدت تلك المساواة مما تعارف عليه الناس في هذا الزمان، فينبغي ألا يغيب عن بالنا أن الإسلام عندما بشر بها منذ أربعة عشر قرناً، كانت شريعة روما هي السائدة في بلاد الشام المجاورة لجزيرة العرب. وفي ظلها كان الناس يقسمون إلى أحرار وغير أحرار. والأولون طبقات، أحرار أصلاء هم الرومان وغير الأصلاء وهم اللاتين. أما غير الأحرار فكانوا أربعة أنواع: الأرقاء، والمعتقون، وأنصاف الأحرار، والأقنات التابعون للأرض وكان الأحرار الأصلاء وحدهم المتمتعين بالحقوق السياسية في معظم الفترات التي مر بها تاريخ روما، أما غيرهم فكانوا محرومين منها.
أيضاً فقد كان أرسطو فيلسوف اليونان الأشهر يقول في كتابه السياسة: أن الفطرة هي التي أرادت أن يكون البرايرة (غير اليونانيين) وقد شاءت الآلهة أن يكون التقسيم على ذلك النحو ليسد البرايرة النقص الموجود عند اليونان (القوة الجسدية) الأمر الذي يستوجب أن يظل الآخرون عبيداً مسخرين لخدمة الجنس الأرقى ذي العقل الرشيد.
أما المساواة بين الناس في المفهوم الإسلامي تعني التسوية في حقوق الكيان الإنساني الذي يتساوى فيه جميع الناس وأفراد المجتمع من ذكر وأنثى أو أبيض وأسود أو عربي وأعجمي أو شريف ووضيع أو غني وفقير، كلهم أمام الشرع والقانون سواء كأسنان المشط لا يتفاخرون إلا بالتقوى والعمل الصالح، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: "يا أيُها الناسُ إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكُم شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفوا إنَّ أكرمكُم عندَ الله أتقاكم".
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تبارك وتعالى قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها إلا الناس من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم).
فهذه قاعدة الإسلام الحقيقية في المساواة كما بينتها الآية الكريمة وحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أن أهم منطلقات وركائز هذه القاعدة مبدأ الإنسانية التي تعتبر أحد خصائص الإسلام الكبرى وهو يشغل حيزاً في المنطلقات النظرية والتطبيقات العلمية.
الإسلام ميز الإنسان على سائر الخلق ولكن بالنسبة إلى بني آدم فقد جعلهم سواسية، وأنه لا تمييز عند الله إلا بالتقوى، وأما التمييز العنصري فهو مرفوض في الإسلام على عكس ما نراه اليوم وما كان في الجاهلية الأولى.
وقد قامت سيرة الأنبياء عليهم السلام على ترسيخ هذا المبدأ السماوي الذي يدعو للمساواة بين الإنسانية..
وترجم هذه السيرة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وسيرته وتصرفاته.
فالمساواة أصل من أصول العقيدة الإسلامية، والإنسان هو خليفة الله في أرضه، وقد ساوى الله بين الناس جميعاً، فهو الذي خلقهم، فهم يتماثلون ويتساوون مع غيرهم من بني جلدتهم في أصل الخلقة وبتحديد من الشريعة في البني الذاتية والحاجات الأساسية وفي مراحل الخلق والتكوين والحياة والموت قال تعالى: "يا أيها النّاس اتقوا ربَّكُم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تَسَاءلون به والأرحام إنَّ الله كان عليكم رقيباً".
هذه الآية تقرر أن هناك أصلاً واحد للنسل الإنساني الموجود على الأرض، وعلى هذا الأساس فلا مبرر للتمييز العنصري أو القومي أو اللغوي أو التمييز في الجنس أو اللون، لذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: (إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى).
فهذه تندرج تحت المساواة العامة حيث أن البشر جميعاً ينحدرون من أبوين، فجاء الإسلام وجعل ذلك مبدأ طبيعياً وعمل على رفع مستواه من المساواة العامة إلى مستوى الأخوة الإيمانية، بل أراد أن يجعل من البشر أمة يعيشون كأعضاء في أسرة واحدة.
اضافةتعليق
التعليقات