كنت أشرب فنجان قهوتي بينما كانت تتكلم صديقة لي تعمل في المشفى عن حالات الانتحار التي باتت تغزو مجتمعاتنا، فنظرت إليها نظرة استغراب لتكمل حديثها عن آخر حالة أنقذوها وأعادوا لها الحياة بفضل الله ورحمته.
انها حالة فتاة لم تكمل عقدها الثاني وقد انتحرت بشرب علبة من صبغ الشعر الحاوي على مواد كيمياويا والتي تؤدي الى التسمم المباشر، وعندما يسألها الطبيب لماذا فعلتِ ذلك، ترد عليه تعبت من المشاكل مع أم زوجي ووصلت معها الى مرحلة اليأس. فتعجب الطبيب من حالة المريضة ليجد معها مرافق يبكي ويعاتبها على فعلتها وهو يقول لها بكلمات عراقية: "ليش هيج سويتي يا عيني، شلون كلبج ينطيج تعوفيني بهالدنيا وحدي... إذا جان صاير بيج شي اني شنو جان سويت بحالي".
ليتعجب الطبيب أكثر فيسأله عن صفته ليعرف بأنه زوجها فتحدث معه الطبيب من باب الانسانية عن السبب الذي أوصل زوجته الى هذه النقطة من الألم والعذاب كي تلجأ الى الانتحار فقط حتى تتخلص من امه التي قد سودت عليها حياتها!، ويطرح عليه بعض الحلول كاستئجار بيت بمعزل عن امه وامور اخرى ليوقف نزيف الألم هذا ويحافظ على حياة زوجته المتهورة التي قد حزنت كثيرا لأنها لم تمت لتقولها بصريح العبارة للطبيب وهو ينصحها ويعضها من فكرة الانتحار: "اعتذر منك، ولكني لا اضمن بأني لن اعيدها مرة أخرى!".
هل الألم والعذاب الذي يتجرعه الانسان يقوده الى التخلص من الحياة بهذه الطريقة دون التفكير بعواقبها، أم اليأس هو الذي يفعل ذلك؟
قد نعرف جيدا بأن الظروف تلعب دورا مهما في حياة الانسان وفي صقل شخصيته، فكيف ستكون نفسية الشخص لو مرّ في سلسلة من المشاكل اللامتناهية والأمور المعقدة في حياته، أو تعرض لحادث فقد أو أمر صعب في حياته.
بالتأكيد سيسوده الحزن والألم والقلق وربما حتى اليأس وفي بعض الحالات ينتهي الأمر بالانتحار!
لا أبالغ في الامر لو قلت الانتحار، فدرب اليأس نهايته الانتحار، لهذا السبب حذرنا المولى علي (عليه السلام) من اليأس بقوله "ان اليأس كفر"!.
فكيف يمكن للإنسان ان يصل الى الياس وهو بعين الله الم يقل لنا الله: "ولا تيأسوا من روح الله"، الم يقل مرتين للتأكيد: "ان مع العسر يسرا"؟.
اذن لماذا نغرق في وحل اليأس بمجرد ان نصطدم بجدار من المشاكل والعوائق في حياتنا؟ الم نفكر يوما بابتلاءات الحياة واختبارات الله؟
الانسان المؤمن يعرف جيدا السبب الذي خلقه الله تعالى من اجله، ويعرف كم سيمر في هذه الحياة من الاختبارات كي يصقل جيدا لتسقط الدنيا من عينيه ولا يرى إلاّ الله، ولا يلتجأ إلا سواه!.
فكم شخص مر بضائقة معينة وركض إلى الفلان الفلاني كي ينقذه من هذه المصيبة أو يتوسط له كي يحل مشكلته، ونسي بأن من يقول للشيء كن فيكون هو الله وليس فلان الفلاني!
ربما اتصال واحد مع العابد من خلال دعاء أو صلاة قد يحل الأمر بطرفة عين دون الحاجة إلى سكب ماء الوجه عند عبيد الله!.
يحب الله أن نطلب منه الكثير، فأبواب كرمه مفتوحة وهو يقول لنا: "ادعوني استجب لكم"، إنه يأمرنا بالدعاء ويضمن لنا حسن الإجابة! هل هنالك كرم يضاهي هذا الكرم الإلهي؟
كل ما في الأمر انه يحب ان يرى عبيده يطرقون بابه... ولا يلتجئون الى سواه.
وقد يحدث أن يبتعد العبد عن ربه وتمر أياما وشهورا دون اللجوء إليه، ويعيش في غفلة من أمره، ولأنه لا زال في رحمة السماء يشتاق الله له، فيضع في طريقه حجر عثرة عله يتذكر بأن هذه العثرة لن تزال إلا بالدعاء الخالص إلى الله! فيفرش سجادة صلاته ويتواصل مع معبوده ويعترف بتقصيره، ويعود إلى أحضان الله ويطلب منه ما يشاء في أمر آخرته ودنياه، وكله ثقة بأنها مجابة بإذن الله.
إذن لا تبلطوا من ظروفكم الصعبة طريقا لليأس، فهذا الطريق المظلم خالي من رحمة الله، لأن اليأس كفر، ولا مكان للكافر إلا الجحيم.
حاولوا أن تصنعوا من عثرات حياتكم ومشاكلها قنديلا من الصبر تضيء دروبكم المعتمة بالألم. لأن الله يحب الصابرين، وقد وعد عباده بأن مهما طال البلاء والامتحان الدنيوي "سيجزي الصابرين أجرهم".
اضافةتعليق
التعليقات