"شقيقان تعرّضا لصدمات نفسيّة عنيفة في طفولتهما، أحدهما أصبح نموذجًا ناجحًا في حياته المهنيّة وفي أسرته ومجتمعه، والآخر تحوّل إلىٰ تعاطي المخدّرات وارتكاب الجرائم؛ تمّ سؤال كلّ واحد منهما علىٰ حدة: "لماذا اتّخذت هذا القرار؟"، كانت إجابتهما بنفس الطريقة: "لم يكن لديّ خيار آخر".. والحقيقة رغم المعاناة في قصّتهما نجد هناك خيارين، إمّا أن يجعل الشخص حدًّا لما حدث له، ويتّجه للضرر بنفسه وتدمير ذاته، أو أن ينظر لما حدث له كتجربة ودرس استفاد منه وتعلّم منه تجنّب الوقوع في السلوكيّات غير الصحيّة، وأن يجعل من الصدمة نقطة انطلاق للتغيير الإيجابيّ رغم الألم الذي يعانيه.
لا يمكن تغيير الأحداث، لكن يمكن تغيير نظرتك وتفسيرك لها." .
وقد شاءت إرادة الله أن يهب للإنسان حرية الاختيار في كل مجالات حياته، فمنذ العمر الذي يبدأ فيه التمييز وحتى اللحظات الأخيرة من حياته يملك الانسان زر الاختيار بين الصح والخطأ، بين الحرام والحلال، بين المستحب والمكروه، بين الجميل والقبيح... الخ.
ووحده من يتحمل تبعات اختياراته، سواء كانت اختياراته تدرج ضمن الأخطاء فقط أو ضمن الذنوب، وبالتأكيد هنالك اختيارات يكون لها تأثير أوسع سواء في المنفعة أو المضرة، أو ما يطلق عليها بالتأُثير الفردي أو التأثير الجمعي...
فهنالك اختيارات يتحمل تبعاتها مجتمع كامل، مثل ترشيح النموذج السيء في المناصب المهمة، ونهب الممتلكات والأموال العامة، ونشر الفواحش والمخدرات وغيرها من الاختيارات التي ربما توهم المقابل بأنها شخصية ولكنها على عكس ذلك تماما بل ولها تأثيرا مجتمعيا كبيرا.
وغالبا تكون هذه الاختيارات نابعة عن تجارب سيئة عاشها الانسان خلال مرحلة من مراحل حياته بسبب نموذج سيء في حياته مثل العائلة أو معلم أو صديق أو مجتمع، فعلى أساس ذلك تنساق كل اختيارات الفرد إلى شارع السيئات والذنوب، دون الإحساس بأنه من الممكن أن تكون له فرصة باختيار طريق آخر!
مثلما ذكرنا ذلك في البداية عن حياة ذلك الشخص الذي سلك طريق المخدرات، ولكن بالتأكيد هنالك دائما طريق آخر إذا توكل الانسان ونوى، إذ يقول عز وجل في كتابه الكريم: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" [الرعد:11] .
فالتغيير يبدأ من الانسان نفسه واختيار الطريق الصحيح من الممكن أن يغير حياة كاملة ويبني للإنسان مستقبلا أفضلا، لهذا السبب جعل الله مقود الاختيار بيد الانسان، فحتى لو كانت البيئة التي يعيش فيها الشخص سيئة من الممكن أن يخرج منها انسانا صالحا، لأنه يستطيع أن يغير مسار حياته عن مسار العائلة أو البيئة ويخرج بمسلك آخر نحو الصلاح والنور، فكم من عائلة جاهلة كبر فيها طالب علم، وكم من عائلة فاسدة خرج منها شاب متقي، وكم من عائلة فقيرة خرج منها شخصا غنيا، إذن من المهم جدا أن نتصالح مع ذواتنا مادام مقود الاختيار بيدنا فمستنقع الماضي ليس شماعة مناسبة نرمي فيها حماقات اختياراتنا، ويجب أن نتذكر دائما بأن أجمل أنواع الورود (زهرة اللوتس) تزهر في المستنقعات.
اضافةتعليق
التعليقات