لم أكن يوما أفهم فكرة الوحمة حيثُ ولدتُ بوحمة في يدي والحمد لله أنها ليست ظاهرة لتكون محط الاستفهام فبقيت أنا وهي في علاقة طيبة بل أحب تفردها وشكلها، أما أختي التي كانت تتعرض للأسئلة المتكررة حول وحمتها الظاهرة شكلت لديها في فترة من الزمن عائق في الحياة وقررت ازالتها حتى تزوجت وأحب زوجها هذه العلامة الفارقة التي تميزها وبدأت تحبها وتسلم لأمر وجودها.
الوحمة، تلك العلامة الجلدية التي قد تظهر منذ لحظة الولادة أو تظهر لاحقًا في حياة الإنسان، هي نوع من التغيرات التي تحدث نتيجة لتوسع الأوعية الدموية أو زيادة في صبغة الميلانين، قد تكون صغيرة، قد تكون كبيرة، قد تكون متموضعة على الوجه أو مغطية جزءًا من الجسم، وقد تكون دائمة أو تزول مع مرور الزمن، هذه الوحمة، بكل ما فيها من اختلاف، تحمل في طياتها قصة تنوع بشري وجمال طبيعي يعكس التنوع في الخلق.
لكن على الرغم من هذه الحقيقة، فإن الوحمة تصبح في نظر البعض علامة غريبة أو حتى تشوهًا، ويتحول الاختلاف إلى عبء نفسي واجتماعي. كم من الأشخاص عاشوا في خجل من علاماتهم على الجلد، وحاولوا إخفاءها بأغطية أو مستحضرات تجميل؟ وكم من الأطفال والشباب عانوا من مشاعر الإحباط والألم بسبب كلمات جارحة أطلقها آخرون عن شكله المختلف؟ هذا هو الواقع الذي يعيشه كثيرون ممن يملكون الوحمة، إذ تتحول تلك العلامة إلى مصدر للتنمر، الذي لا يعترف بجمال الاختلاف ويصر على فرض المعايير السطحية.
التنمر بسبب الوحمة يتجاوز كونها مجرد ردود فعل سطحية. إنه انعكاس لظاهرة اجتماعية أعمق، حيث يتجه المجتمع غالبًا إلى فرض تصورات ثابتة حول ما يجب أن يكون عليه "الجمال". ما إن تكون لديك وحمة على وجهك أو جسدك حتى يُنظر إليك بشكل مختلف، قد تصبح مصدرًا للفضول أو السخرية، وقد يتحول هذا الفضول إلى استهزاء أو حتى تحقير.
لكن هل هذه الوحمة فعلاً عيب أو تشوه؟ أم أنها مجرد علامة من علامات التفرد؟ الجواب هنا يكمن في إدراكنا لما يعنيه الجمال والاختلاف. فالجمال ليس في المطابقة مع المعايير المرسومة، بل في القدرة على التميز والتفرد، في أن يكون الإنسان كما هو، دون محاولة للتكيف مع صورة نمطية فرضها الآخرون.
يجب أن نتذكر دائمًا أن الإنسان، بكامل تكوينه، هو أجمل في تنوعه، وأن الوحمة هي جزء من هذا التنوع. ولكن على الرغم من ذلك، لا يمكننا إغفال الأثر النفسي للتنمر على الأشخاص الذين يعانون من الوحمة. إذ يشعر العديد منهم بمشاعر العزلة أو الخجل، ويحاولون التكيف مع معايير الجمال السائدة رغم أن هذه المعايير نفسها قد تكون خاطئة أو ضيقة. وقد يدفعهم ذلك إلى محاولة تغيير أنفسهم أو إخفاء جزء من شخصياتهم الطبيعية من أجل أن "يبدو" كما يجب.
في الوقت الذي يجب فيه أن نتقبل جميعًا أنفسنا كما نحن، يجب أن نعي أيضًا أنه ليس من العيب أن تكون لديك وحمة، بل هو جزء من جمالك الفريد. يجب أن تكون الوحمة مصدر فخر لتفردك، لا مصدر إحراج. ومع ذلك، يتطلب الأمر تحوّلًا في التفكير الجمعي، حيث نبدأ في النظر إلى الجمال على أنه مجموعة متنوعة من الأشكال، والتعابير، والسمات، ولا نحصره في صورة واحدة مسبقة.
اضافةتعليق
التعليقات