غالباً ما يكون اختلال موازين القوة بين الناس سبباً لحدوث العدوان والظلم، فالأقوياء يدفعهم غرورهم وطمعهم للاعتداء على الضعفاء.
لذلك تجتهد الشرائع والأنظمة في خلق قوة قانونية تنتصر للضعيف وتحمي حقوقه من بطش القوي.
لكن قوة القانون هذه على فرض وجودها لا تتحرك ذاتياً وبشكل آلي، لحماية أي حق ينتهك، بل تحتاج إلى إثارة واستنهاض، يضعها في موقع الحاجة لدورها.
وهنا يأتي دور المستضعف نفسه في أن يكون واعياً بحقوقه، مطالباً بها، مناضلاً من أجل حمايتها.
إن الكثيرين من الناس يجهلون ما لهم من حقوق بحسب إنسانيتهم، أو بحسب الموقع الذي يعيشونه في محيطهم، وهذا الجهل هو أرضية سكوتهم على الظلم، وتكيفهم مع ما يقع عليهم من عدوان مادي أو معنوي.
وقسم من الناس يدركون حقوقهم، ويتألمون لمصادرتها أو الانتقاص منها، لكنهم لا يجرؤون على المطالبة بها أو الدفاع عنها.
تربية الإسلام:
والإسلام الذي جاء لإعزاز الإنسان وإسعاده، ورفع شعار تكريمه وتبجيله، اعتمد منهجية البناء الذاتي للإنسان على أساس الوعي بمكانته وحقوقه، والثقة بالنفس في الدفاع عن مصالحه ومكاسبه.
وما آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الإنسان كخليفة لله في الأرض، وكسيّد سخر الله تعالى له ما في الكون والحياة، وكمخلوق مميز في قدراته وطاقاته، وكملك نافذ الأمر تتحقق له كل رغباته وشهواته في الجنة حينما يدخلها.
ما هذه الآيات إلا تأسيس لوعي الإنسان بذاته، وإدراكه لقيمته ودوره.
ثم إن التشريعات الإسلامية، والتي ينبغي أن يفقهها الإنسان، ما هي إلا برامج وأحكام، تحدّد ما له وما عليه، وتبصّره بواجباته وحقوقه، وتضع الحدود والضوابط لردع أي ظلم أو اعتداء عليه.
ولا تقف منهجية الإسلام عند حد توعية الإنسان بذاته، وتشريع القوانين الحامية لحقوقه، بل توجهه التعاليم الإسلامية إلى ضرورة تمسكه بحقوقه، وحفاظه عليها، ودفاعه دونها.
فالقرآن الكريم يشيد بانتصار المؤمنين لحقوقهم، ودفعهم الظلم عن أنفسهم، يقول تعالى: {إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعدِ ما ظلموا}.
وعبر فقرات الدعاء والمناجاة يغرس الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام في نفسية الإنسان المؤمن وذهنيته طموح الكرامة والعزة، وامتلاك القدرة والجرأة، للدفاع عن الذات والحقوق، يقول عليه السلام في دعاء مكارم الأخلاق:
"اللهم صلّ على محمد وآله، واجعل لي يداً على من ظلمني، ولساناً على من خاصمني، وظفراً بمن عاندني، وهب لي مكراً على من كايدني، وقدرة على من اضطهدني، وتكذيباً لمن قصبني، وسلامة ممن توعدني".
وحينما يشجع الإسلام الإنسان على المطالبة بحقوقه والدفاع عنها، وعدم السكوت على الظلم والعدوان، فإنه يستهدف عدم إتاحة الفرصة للظالمين المعتدين، والذين إذا لم يُواجهوا ويُردعوا فسيستمرون في ممارساتهم العدوانية.
أما الدعوة إلى الصفح والعفو والتسامح فهي أخلاقيات يأمر بها الإسلام ويشجع عليها، لكنها لا تعني السكوت عن الحق، ولا الخنوع للباطل والظلم، ومورد استخدامها هو مع الأنداد والضعفاء، وليس أمام المعتدين الأقوياء، والعفو إنما يصدق عند القدرة على أخذ الحق.
اضافةتعليق
التعليقات