جَلَستْ بمحاذاة جدار قريب لتستريح من الطريق الذي يبدو أنه قد أنهك قواها، اقتربتُ منها لتقديم المساعدة, أجابت بالنفي.
كان يبدو بأنها قررت أخذ قسط من الراحة بين المسافة الفاصلة بين السوق والبيت, وذلك لأنها صائمة, فبرغم انحناء ظهرها والتجاعيد المرسومة على وجهها وأطرافها، ما زالت هذه المسنة تقوم بالتقرب إلى الله وطاعته في أجمل طقوسه وهي صيام الشهر الكريم.
(بشرى حياة) رصدت حالات منافية لتلك السيدة المسنة من قبل بعض الشباب, الأمر الذي أثار امتعاضنا فارتأينا سؤالهم لعزوفهم عن الصيام:
المولدة والكهرباء
منى محمد/ طالبة متوسطة توعز سبب افطارها إلى ضعف جسدها وعدم قابليتها على تحمل الجوع والعطش, ناهيك عن انقطاع التيار الكهربائي الذي أسهم مساهمة فعالة في التأثير السلبي على نفسية الصائم, كما ترى أن الصوم في الشتاء أسهل من الصيف, لكونها تعيش تحت ضغوطات الحر والكهرباء والمولدات والمشاكل الأخرى التي تجبرها على الافطار.
السيجارة اللعينة
يوسف مهدي/ مرحلة ثانية كلية الهندسة قال: إنها السيجارة اللعينة التي تعلمتها من خلال التقائي ببعض الشباب المدخنين ولذا أدخن الكثير من السجائر من فترة الافطار إلى الامساك, لكنني في فترة ما بعد الظهيرة لا أستطيع أن أقاوم سحرها الأخّاذ فأضعف أمامها وأفطر, هذه مشكلتي الوحيدة التي لا أستطيع حلها أبدا.
الارشاد
أعذار وترّهات لا يستوعبها المنطق حينما استمعنا إلى اجابات بعضهم، وغيرهم رفض التصريح بالسبب والذي نراه نحن هو غياب الواعز الديني لبعض العوائل.
هكذا يرى سالم خضير/ موظف, ويضيف: إن غياب الارشاد الديني هو العامل الأساسي, إذ يستذكر لنا أيام السبعينيات قائلاً: كان أبي يذهب إلى أبعد الأماكن في سبيل حضور محاضرة دينية لأحد الشيوخ, أما الآن نفتقر تلك الرغبة, هناك من يستمع إليها عبر المذياع أو على المحطات الفضائية, وهؤلاء هم الفئة القليلة الذين يبحثون عن سبل المعرفة الدينية.
دور الأهل
بينما حنين جهاد/ ربة بيت، ألقت الكرة في ملعب الأهل مؤكدة على الدور التربوي الذي تلعبه العائلة في تربية أبنائها فإذا نشأ الطفل في عائلة دينية, بالتأكيد سوف يكتسب هذه الصفة الحميدة من عائلته وإن تربى في عائلة لا تمارس الطقوس الدينية ولا تحترم شعائره فإنه يسير على خطاها.
الانفتاح
فيما قال مصطفى عبد الأمير/ طالب جامعي: إن السبب يعود إلى الانفتاح بعد الاكتساح الكبير لوسائل التواصل, التي تعد سلاح ذو حدين, إما أن تكون نافعة, أو تكون ضارة ومدمرة, فأغلب الشباب يتصفح مواقع التواصل من ألعاب الكترونية وغيرها, والتي تلهيهم عن الأمور العقائدية, وللأسف أغلبهم في تراجع ملحوظ أمام مغريات الحياة الزائلة.
حرية شخصية
وسط هذا الكم الهائل من التفكك الأسري وغيره سعت المؤسسات الدينية والمجتمعية إلى تنظيم ندوات ثقافية وعقائدية للحد من حالات الافلات الديني والتقيد بالقيم والعادات, وكان هناك تلقي كبير من الحاضرين ولكننا نطمح إلى الارتقاء إلى الذرة للقضاء على الأفكار التي تزعزع الوازع الديني تحت مسمى الحرية الشخصية.
بهذا الجانب شاركنا الشيخ عبد الكريم هادي قائلا: شهر رمضان فرصة عظيمة لأن ينهل الإنسان من عطاءات الله عز وجل وخيراته, ولكن كثير من الناس يحرم نفسه من هذا الخير وهذه المغفرة, وذلك بالإفطار في نهار رمضان بدون عذر, بل هناك من يتجرأ على الله ويجهر بالإفطار, وهذا وزره مضاعف.
وأضاف: يروى أن اليهود في المدينة المنورة لم يجاهروا بالإفطار احتراما للشهر الفضيل, وينقل حاليا أن دولا غير اسلامية تراعي حرمة الشهر وتبادر بفعاليات مناسبة لذلك, لكن بعض شياطين الإنس تسول للبعض صورا للتمرد والمراهقة للتعدي على حرمته, لاسيما مع الهجمة الشرسة للإعلام الماسوني, في ظل ضعف أداء الاعلام الاسلامي الصحيح, واستغلال ضعف وفساد بعض المحسوبين على الدين, وغياب الثقافة العائلية والاجتماعية الكافية, لترسيخ المبادئ الواقية من الانحراف ومواجهة الدس والتشويه, ضمن أجواء التذمر والسخط السائدين مع حالات الفراغ والاحباط الغالبة على شبابنا، وإن التزام البعض مع ظرف الامتحانات كاشف عن القدرة على تحمل الصعوبات إذا آمن المكلف بوجوب الامتثال للأوامر الإلهية, وأن الثواب والتوفيق على قدر المشقة.
وللحد من تفشي حالات الإجهار بالإفطار, يلزم رفع مستوى التوعية العقائدية لدى المتصدين والمربين والاعلاميين الرساليين، وإيصالها بأسلوب وطريقة ومناسب إلى شبابنا، والله الموفق.
اضافةتعليق
التعليقات