إن من الأسئلة المتعارف هي: كيف حال صحتك؟ عملك؟ دراستك؟ وكلها أسالة طيبة وتدل على اهتمام السائل وحبه لنا.
لكن من منا يُبادر بهكذا سؤال لنفسه أو لغيره: "كيف حال روحي/روحك الرسالية؟"
وهذا السؤال من أهم الأسئلة التي على كل إنسان يحمل ايمان في قلبه، ورسالة في ضميره، بصيرة، ونظرة بعيدة المدى في حياته كأمامه وقائده امير المؤمنين عليه السلام لابد ان يكون هكذا سؤال حاضر في ذهنه.
لذا سنورد بعض الأسئلة التي من المفترض أن ترد في ذهن كل إنسان رسالي، وقد يبحث في داخله أو ممن سبقوه عن أجوبة ليعمل بها، كما هو الحال في الأجوبة التي سنوردها بإذن الله سبحانه:
تُرى هل روحي من أهل السير والكدح؟ أم لا؟!
- أحد علمائنا(١) يُجيبنا بما يُنقله من كلام لطيف لأحد العلماء الكبار أنه كان يقول: "نحن ركضنا طوال عمرنا ولم نصل إلى شيء، الذين لا يركضون إلى أين يصلون؟!".
وهذا ما يؤكده كلام باب مدينة العلم بقوله: "منهومان لا يشبعان: "طالب علم، وطالب دنيا" (٢).
فأصحاب الهمة العالية، والأرواح التي قد اعتادت أن تُشرق عليها شمس الحقائق، هي لا تبقى في حال سير دائم فقط، بل وتركض نحو الحق علها تبلغ شيء من معرفته، فتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} (الإنشقاق:6)، والكدح -كما يصفونه- بأنه سيرٌ ولكن بتعب ومشقة، لذا صاحب الروح الرسالية هو من أهل الكدح.
تُرى ما هو مفهوم الراحة عندي كرسالي؟
- يُجيبنا أحد الرساليين على هذا التساؤل قائلاً: إن الإنسان عندما يُوفق أن يكون في طريق الرساليين والدعاة إلى الله تعالى، هو يتخذ من مفهوم التعب على أنه راحة، لا العكس! فيكون بذلك تجلي لقول الامام علي (عليه السلام) في وصف المؤمن: "...، الناس منه راحة ونفسه منه في تعب، العلم خليله، والعقل قرينه،..."(٣)، أي أن تكون راحتك عندما تكون عاملاً منجزاً، لا عندما تكون فارغاً.
وكما يُقال: إن الرسالي يحمل ألما وهماً بمقدار استشعاره لمسؤوليته تجاه دينه ومبادئه.
لكن تارة يكون هذا الشعور [قاتلاً] له، وذلك متى ما بَقى في دائرة الشعور بالتقصير، وهذا شعور طيب ويؤجر عليه صاحبه، لكن ليس المطلوب أكيداً، لأنه في الغالب يكون أثره سلبي فتراه جليساً لا يُقدم شيء لرساليته!.
وتارة يكون هذا الشعور [مُحيّ] له، وذلك عندما يقترن الألم بالعمل فيتفاعل معه ويُترجمه بنشاط وحيوية، وبهجة روحية مع ما عليه من ضغوطات وبمقدار ما تواجهه من مشكلات.
فقيمة حياة الانسان في تحمل صعوبات الحياة وبمقدار ما يكون من أهل البذل والتضحية والعطاء.
تُرى هل لديَّ مقياس لدرجة علو روحي الرسالية أم لا؟
- نستطيع أن نقول من خلال تتبع خبرة الرساليين إن من المقاييس هي هذه:
١. العمل على كل حال.
حيث يُنقل في أحوال أحد العلماء أنه "عهد المجتهد الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد حسن النجفي رحمه الله على نفسه، أن يكتب كل ليلة قسطاً من كتابه الفقهي الاستدلالي الكبير المعروف بـ (جواهر الكلام) الذي يُعتبر عند الفقهاء من أهم مصادر البحث العلمي في الفقه الإسلامي.
ففي تلك الليلة التي مات فيها ابنه العزيز، حضر جنازته وبيده قلمه وأوراقه، يكتب أسطراً من الكتاب ودموعه منهمرة على لحيته البيضاء، والحزن يعصر قلبه على ذلك المصاب الجلل"(٤).
وكأن لسان حال هذا الفقيه الجليل عندما يُسأل عن سبب قيامه بهكذا فعل أنه يقول: (ولدي كان أمانة عندي وقد رَجعت الامانة إلى خالقها، أما أمانة رسالتي في هذه الحياة فهي لازالت معي وعلي أن أنشغل بها ولا أتعذر عن أدائها).
فالارتباط بذوي الهمم العالية، والاتصال بهم سواء كانوا أموات من خلال مطالعة سيرتهم، أو أحياء برؤية إنجازاتهم، يحفز الانسان ويجعله نَشطاً ذو همة عالية، وغبطة تحفزه أكثر لكي يُقدم المزيد دائماً ليكون بدعوته أوسع، فلا ينشغل بسفاسف الأمور ومشكلات الحياة التي لا طائل منها.
٢. المحفز الأول يكون هو الذات لا الآخر، أي الشعور بالمسؤولية، وعدم التفكير بالمردود المادي، وعدم التعامل مع هذا العمل كمهنة يُسترزق منها.
فصاحب الروح الرسالية يسعى لبلوغ مرتبة الشعور برضا الله تعالى وقبوله لما اختصه به من فضل في أن توكل له هكذا مسؤولية.
فالأرواح التي تُحفز بالأمور المادية، ككلمات الشكر والثناء، والمردود المادي هذه روح لا يُتوقع منها أن تستمر وتثبت، ولعلها بمجرد أن ينقطع عنها هذا المحفز تتوقف عن العطاء.
إنما مقياس قيمة ما يفعله ذو الروح العالية هو ما يراه بعين قلبه لأنه يسعى لبلوغ نظر الله تعالى له برضا وقبول لما يعمل-كما قلنا-، لا ما يراه بجارحة العين من تقييم من قبل خلق الله تعالى سواء سلباً أو أيجاباً، مدحاً أو قدحاً.
تُرى هل وصلتُ لهذه المرحلة في عملي الرسالي؟
- إن الثمرة القصوى من مراحل نمو الروح الرسالية أن يكون عملك الرسالي جزء منك، أي تكون من ذوي الهمة والشعور بالمسؤولية لدرجة الاندماج معه.
بلى! اندماج يجعلك تحرص عليه لأنه جزء من وجودك وفي سلم أولوياتك الحياتية.
فكما إننا نحرص ولا ننسى أن نغذي أبداننا بالطعام المادي ليقوى بدننا، علينا أن نُقابل هذا الحرص بحرص بمقداره بل وأكثر لتقوية الروح وتغذيتها بطلب العلم، وخدمة دين الله تعالى، ونفع خلقه.
فكما إن تناول طعام طيب المذاق يشعرنا بالفرح، والسرور، الروح كذلك تحتاج إلى أن نُطعمها بالبهجة والسعادة، وذلك متى ما غذيناها بالعلم النافع، والعمل المثمر الصالح.
جعلنا الله تعالى وأياكم من ذوي الأرواح الرسالية العاملة الحيّة.
.........................................
اضافةتعليق
التعليقات