انه لا يقف بتاتاً على الرغم من التشققات التي بدت واضحة على يديه، والتي عمد على لفها بخرقة القماش ليواصل استخدامهما في تحريك عجلات عربته المتواضعة, يتبادل بيده اليمنى تارة واليسرى تارة أخرى ليسابق بخطواته جميع السائرين معه، لم تستوقفهُ الرياح العاتية والامطار، ولا الطرقات الوعرة, فعلى الرغم من غياب احمد هذا العام، أصر ابو احمد ان يسير بمفرده صوب قبلة ابي الاحرار الحسين (علية السلام).
حدثنا قائلاً: "أعتدت منذ صباي ان ازور سيدي ومولاي ابا عبد الله الحسين (علية السلام) مشياً على قدمي لكن الحادث الذي تعرضت له قبل ثلاث سنوات حال دون ذلك, ورغم هذا واصلت زيارته كعادتي, فتولى ابني احمد دفع كرسيي المتحرك, إلا انه التحق بصفوف الحشد المقدس هذا العام, فعزمت ان اسير وحدي مع عربتي التي لها الفضل الكبير في تسهيل زيارتي الى كربلاء المقدسة وتسجيل اسمي في سجل الزائرين".
كربلاء.. الروح
ما ان هل شهر صفر حتى تصبح كربلاء روح والزائرين جسد, فتغتسل الانانية بخجلها ويسجل بها الزائرين اعلى مراحل العنفوان والقوة, لتتوج كربلاء عنوانا للإنسانية, وطريق لبناء الحق, ذلك الطريق الذي يسير به جميع فئات العالم بمختلف اعمارهم وجنسياتهم وطوائفهم, وحتى ظروفهم, فقد بدى سيل افواج المسير الراجلة, من شتى بقاع الارض..
(بشرى حياة) كانت هناك لتسلط الضوء على جانب من صور الزائرين المرتجلين لاحياء مراسيم زيارة الاربعين..
صور ترسم خارطة العشق الحسيني
كانت تسير وبمقدمتها عربتها المزدوجة حاملتاً فيها طفليها الرضيعين, غير مبالية لمشاق الطريق وصعوباته... ام عبد الله استوقفناها لتسرد لنا مشاعرها الحسينية قائلة: استنكرني الكثير لمسيري هذا واني سأجهد نفسي وطفلي الرضيعين, واعرضهما للخطر, لكن كلماتهم تلك لم تقف عائقاً في طريقي, فمنذ سنين خلت وانا اسير في طريق العشق الحسيني هذا, بكل ما اوتيت من قلبٍ, وايمان, وعقل, وعاطفة, وفي كل مرة وانا اخطو بهذا الطريق المقدس كنت اناجي الله أن يقر عيني بالذرية الصالحة وما ان استجاب الله لدعواتي حتى عزمت هذا العام ان اصحبهما معي".
وتابعت قائلة: "ان كل ما نقدمهُ لسيدي الحسين(عليه السلام) وفاءً له وتخليداً لفاجعته الاليمة, وهو لا يجسد حجم الظلم الذي تعرضوا اليه, وكل ما نبذله متمماً لما بدأ فيه فهو نبلة من نبال الحق في عيون الأعداء, فأن الامام الحسين (عليه السلام) اجاد بنفسه واصحابه واهله وولده في زمن عز به الناصر وقل فيه المؤيد".
وفي وسط تزاحم الاكف والاقدام والسواعد وحتى الأصابع المتجهة صوب الحسين (عليه السلام) يتخللهم سجاد امير (25 سنة) مع ثلة من اصحابه الذين يعمدون على دفع عربته المتحركة وما ان قطع مسافة لا تتجاوز العشرين مترا, نهض من كرسيه المتحرك, مستعيناً بعكازتيه ليكمل مسيره راجلاً.
حدثنا قائلاً: "عزمت هذا العام ان اقطع مسافة الطريق بقدمي الوحيدة واستعين بكرسي متحرك بين حين واخر، وذلك لأبث رسالتي للعالم اجمع, أن حب الحسين يجعل كل روح تريد اللحاق به, فهناك ثمة عبق يريد الجميع ان يشم ثوابه, سواء ان كنت راجلاً او زاحفاً او على كرسي متحرك, فحينما تدخل الى كربلاء, تستشري رائحة الفاجعة التي وقعت في يوم عاشوراء, اسأل الله ان يتقبل منا زيارتنا, وشكري وامتناني لأصدقائي الذين لم يتوانوا عن دفع عربتي ومساعدتي بالمسير معهم في رحلتنا الى الحسين (عليه السلام)".
وشاركنا ايضاً ابو سمير الذي يعمل بعربته الخشبية قائلاً: "اجهز عربتي الخشبية المتواضعة لنقل حمولة الزائرين القادمين من اماكن بعيدة وذلك لكثرة امتعتهم التي تصاحبهم في مسيرتهم على طول الطرق المؤدية الى كربلاء المقدسة وخصوصاً الزائرات لأخف حملهن واسهل سيرهن لان حمل المرأة للحقائب قد يعيق حركتها او يهتك سترها, اضافة لذلك فأني اقل بها الكثير من الزائرين منهم الكهول والاطفال الصغار الذي انهكتهم طول المسافات ولعدم قدرتهم في المسير مئات الكيلومترات, فيستعينون بها لأنهم لا يقوون على المسير بعد ايام من السعي نحو تسجيل اسمائهم في سجل الزائرين، فأعمل على نقلهم للمواكب القريبة ليأخذوا قسطاً من الراحة تعينهم على اكمال مسيرتهم الحسينية نحو كربلاء البطولة والشموخ".
وتابع قائلاً: "على الرغم من ان هذه العربة هي مصدر رزقي الوحيد حيث استخدمها لنقل البضائع والسلع في الاسواق التجارية, الا انني اخجل ان اخذ من زوار ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) مالاً جزاء مساعدتهم على اتمام زيارتهم, فخصصتها لنقل الزائرين وامتعتهم مجاناً خدمة للزائرين".
رسالة مجد وخلود
إن اهم ما افرزته واقعة الطف الحب الفطري في قلوب شيعته, فقد بدأت رحلة الحب الحسيني بعد مصرع الامام الحسين (عليه السلام) منذ سنين طوتها الايام غير انها حاضرة في ذاكرة الحاضر, فها هو الزحف الكبير يحدوا به جميع المواليين, العاجز والسليم, فحينما تبصر من يسير بذراع واحدة وبالأخرى يرفع رايته ينتابك الفخر, فأي وله تملكه, وهناك من يستعين بكرسي متحرك, والمزيد من الصور التي يعجز اللسان عن وصفها, فتختصر بجملة واحدة "انه الحسين سر الوجود ورسالة المجد والخلود".
اضافةتعليق
التعليقات