سنون عجاف كسني يوسف مر بها بلدنا، هام الباحثون فيها عن فتات يومهم، قرص الجوع أجوافهم الفارغة، كافر هو، مقتول إن كان رجلا، شبح لا يزال يلاحق البعض، هل انتهى الحصار أم لا؟
المطاعم تتكاثر اليوم، تلد كالقطط أربعة وخمسة أطفال دفعة واحدة، ينتفي العجب عندما نتذكر الحصار، نعم لازال متربعا على صدورنا كالجاثوم، قبل الحظر، قبل الشهر المبارك، قبل الأعياد، قبل أي خبر صحيح أو إشاعة، كالجراد المنتشر ينقض الناس على أماكن التبضع، يخزنون قمح أيامهم في سنابل الاحتياط، عسى أن تنفعهم في سني القحط المحتملة، أو هذا ما يتوهمونه!
ولكن السؤال الذي يجب طرحه، هل هناك جوع آخر لم نشبعه، لم نكترث لأوجاعه، تزداد أظافره تعمقا في ذواتنا، لقد انقسمنا في هذه الأزمة إلى ثلاثة فرق، فريق صائم لا ينوي الإفطار، وفريق فطر على حرام، أما الفريق الثالث فقد أشبع جوعه من حِل بكل خير، إنه الجوع المعرفي الذي ضرب أطنابه في صحراء فقرنا الفكري، استحل الأرض البور فزادها قحطا وجفافا.
من المسؤول عن هذا الجوع؟ ومن المسؤول عن رفعه؟
وقبل أن نبدأ بسرد قائمة المسؤولين عن جوعنا الثقافي، لننظر في المرآة قليلا، نعم هذا هو المسؤول الأول وهو المسؤول أيضا عن رفعه، إن أساطين العلم ورموز المعرفة يملكون كأي منا أربعة وعشرين ساعة في النهار، أغلبهم إن لم يكن أجمعهم نحتوا في صخور ظروفهم الصعبة لاقتناء كتاب أو كتيب، خاطروا بحياتهم للظفر بأوراق، أوراق لا تشبه أوراق اليوم التي توزع مجانا بعد كل دورة أو مرحلة دراسية انقضت دون دراسة! وبعيدا عن نظريات المؤامرات المحاكة لنا من كل حدب وصوب لتجهيلنا وقمعنا فكريا وثقافيا..، للقطار عودة إلى نفس المحطة، لم يفت الأوان ما دام هناك رمق، عجيب كم حفزنا الله سبحانه وتعالى على طلب العلم، كم أجزل الثواب لمن شق طريقا يلتمس فيه علما، كم فضل مداد العلماء على دماء الشهداء، ورغم هذا كله، لازلنا ننظر من بعيد فننبهر بجمال مكتبات الغرب، نمدح قراءتهم للكتب في الأماكن العامة، نخون ونلقي بألف نية سيئة لمن يفعل ذلك في بلادنا، نتغزل بمن يجيد اللغة الفصحى في دولة أخرى، نمقت من يتحدثها معنا، ااااه كم نناقض أنفسنا.
لقد عوضنا جوعنا المادي أيّما تعويض، سُفَرنا عامرة بما لذ وطاب من مختلف أصناف الطعام في العالم، أطفالنا يحفظون أسماء أشهر الطباخين وأشهى الأكلات، وما زال جوعنا الآخر يعاتبنا، عل أسماءنا تدرج في دفتر المنهومين علما.
اضافةتعليق
التعليقات