كان سهيل بن عمرو من الناشطين ضد الرسول (ص)، وكان يخطب دائماً ويحرّض الناس على قتال المسلمين. اشترك في معركة بدر وأسر فيها. فجيء به الى النبي (ص)، وبينما كان أسيراً (قال عمر بن الخطاب: يارسول الله انزع ثنيتيه يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً أبداً)1. وكانت شفته العليا مشقوقة فلو كسرت أسنانه السفلى لتعذر عليه الكلام بعد ذلك.
ولكن النبي لم يسمح بذلك بل أطلقه أيضا، فهل رأيتم مثل هذا التعامل في دول العالم اليوم حتى التي تدعي التحضّر ورعاية حقوق الإنسان، والأسير والسجين و...
حقاً إن الاسلام جميل جداً. والقرآن وحياة المعصومين الأربعة عشر منهاج عمل لتحقيق السعادة في الدارين. ولكن الكلام وحده لايكفي، والمطالعة مفيدة في هذا المجال ولكن لابد أن تقرن بالعمل.
إن أسوأ الجنايات التي ترتكب عادة إنما ترتكب في الحروب لاسيما من الظافر فيها أو في حال الغضب، ولكن انظروا إلى رسول الله (ص) كيف تصرّف خلالهما.
لقد دخل (ص) مكة منتصراً ظافراً بعد أن حاربه أهلها_ إلا قليل جداً منهم_ طيلة (21) عاماً، وضيّقوا عليه وعلى المسلمين وصادروا أموالهم وحاصروهم.. فكيف تعامل معهم وهو الفاتح المنتصر؟
لقد أعطى النبي (ص) الراية إلى سعد بن عبادة فسار بها وهو ينادي:
اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة..
ولم يكن سلوك سعد بالمستغرب؛ لأن هذه هي القاعدة التي يسير عليها الناس دائماً، وكان يسير عليها الناس دائما، وكان يسر عليها قومه أيضا؛ وهي أن الغالب ينتقم من أعدائه، خاصةّ إذا كانوا قد ظلموه وآذوه، كما صنع مشركو مكة مع المسلمين.
وكان أبو سفيان واقفا يسمع ويرى. فمرّ به النبي (ص) والعجيب أن أبا سفيان، وهو الذي حارب النبي والرسالة بكل تلك الضراوة المعروفة، ليس فقط لم يخف ولم يختف، ولم يهرب أو حتى يتزحزح عن موقعه، بل بلغت به الجرأة والطمأنينة أن خاطب النبي (ص) بقوله: أما تسمع مايقول سعد؟!
فأمر النبي الإمام أمير المؤمنين (ع) أن يأخذ الراية من سعد وينادي:
اليوم يوم المرحمة اليوم تحمى الحرمة2.
وروي أن أمير المؤمنين (ع) بلغه أن أم هانئ بنت أبي طالب (ع) قد آوت أناسا من بني مخزوم، منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها فنادى:
أخرجوا من آويتم.
فخرجت إليه أم هانئ بنت عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب وقالت: انصرف عن داري.
فقال علي: أخرجوهم.
فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله.
فنزع المغفر عن رأسه، فعرفته، فجاءت تشد حتى التزمته، فقالت: فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله (ص).
فقال لها: فاذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي.
قالت أم هانئ: فجئت إلى رسول الله، فلما سمع كلامي قال:
مرحبا بك يا أم هانئ.
قلت: بأبي أنت وأمي مالقيت من علي اليوم؟
فقال: قد أجرت من أجرت.
فقالت فاطمة (ع): إنما جئت يا أم هانئ تشكين من علي في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله!.
فقلت: احتمليني فديتك.
فقال رسول الله (ص): قد شكر الله تعالى سعيه، وأجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب 3.
انظروا كيف تعامل الاسلام مع الاسرى الذين قاتلوه حتى غُلبوا على أمرهم؟
لقد نهى رسول الله حتى عن إيذاء هؤلاء الذين قاتلوه حتى العهد القريب، فضلا عن قتلهم، وأمّن من تحصن منهم في دار بنت عمّه أم هانئ، ومن أغلق عليه بابه أو دخل دار أبي سفيان، بل لم يقتل أحداً منهم وأطلق بيان عفوه المشهور: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"4.
ليس هذا فحسب، بل وزّع الأسرى على المسلمين ليعيشوا معهم في ديارهم، وربّى المسلمين تربية كانوا بحيث يبيت صاحب البيت جائعا _ان لم يكن ماعنده من طعام كافياً_ ويقدم طعامه لأسيره.
ولقد أسلم أكثر هؤلاء الاسرى على أثر التعامل الاسلامي الذي رأوه ولمسوه. وحق لهم أن يتأثروا ويسلموا.
فهل رأيتم مثل هذه المعاملة التي عامل بها الاسلام أسراه، عند غيره، قبله وبعده؟ وهل تعهدون لها مثيلاً في عالم اليوم الذي يدعي الدفاع عن حقوق الانسان؟.
(مقتبس من كتاب: القصص والمواعظ، ل آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي حفظه الله)
اضافةتعليق
التعليقات