إن واقعة كربلاء تحمل بين طياتها الكثير من الرمزية والمعاني الروحية التي مهما قدمنا لها وصفًا لا يكفي، والإمام الحسين (عليه السلام) ما خرج إلا في طلب الإصلاح في أمه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورفض الذل والوقوف في وجه الطغيان، ومع قلة عدد مناصريه، كان ثابتًا لا يساوم، حتى لو كان الثمن شهادته وسبي أهل بيته (عليهم السلام)، ومشاهد مؤلمة لآل بيته وهم يُؤسرون وتُسلب خيامهم، ويمشون حفاة في صحراء العراق نحو الكوفة والشام، والقلوب تدمى ولكن ومع كل هذا الحزن، تبقى كربلاء رمزًا للحرية، وتُعلمنا أن الوقوف مع الحق لا يُقاس بعدد، بل بالإيمان والثبات.
وظلت القصص التي حدثت في ذلك اليوم يشهد لها التأريخ بما تعكسه من القيم والتضحيات التي قدموها أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، ومن أروع القصص التي امتزجت ما بين الخيال والواقع هي قصة (زعفر الجني) مع الإمام الحسين (عليه السلام)، ف(زعفر) هو ابن سلطان الجان، وكان والده قد تسلم زعامة الجان من الإمام علي (عليه السلام).
وعند واقعة الطف كان للإمام الحسين (عليه السلام) صورة لا يمكن تصورها مع زعفر الجني، فعن الدربندي: روي عن بعض كتب المقتل، عن نور الأئمة (عليهم السلام): أنه (عليه السلام) لما أراد أن يحمل عليهم، فإذا علا غبار ظهر منه شخص مهيب على مركب عجيب، وسلم على الإمام وعلى جده وأبيه وأمه (عليهم السلام)، فرد عليه، السلام، وقال: "من أنت، وتسلم في مثل هذه الحالة على المظلوم الغريب؟"، فقال: يا ابن رسول الله! أنا زعفر الزاهد، سلطان الجن، وعسكري في هذه البادية، ولقد أعطى أبوك حين غزا الجن في بئر العلم السلطنة لأبي، وبعد وفاته قد انتقلت إلي، فإذن لنا أن نحارب أعدائك هؤلاء، قال (عليه السلام): "لا، فإنكم ترونهم ولا يرونكم"
فقال: نحن نتصور بصورهم إن قتلنا كنا شهداء في سبيلك.
فقال (عليه السلام): "جزاك الله خيرًا، يا زعفر! فإني قد سئمت من الدنيا، ورأيت في الطيف أني ألقى الله تعالى في هذا اليوم شهيدًا مجدلًا، فارجع ولا تتعرض لهؤلاء القوم"(1) فرجع نداؤه (عليه السلام)، ثم توجه نحو القوم وجعل ينظر يمينًا وشمالًا، فلم ير أحدا من أصحابه وأنصاره إلا من صافح التراب جبينه، ومن قطع الحمام أنينه.
وعن أم سلمة (عليها السلام) قالت: (ما سمعت نوح الجن منذ قبض الله نبيه الا الليلة، ولا أراني الا وقد أصبت بابني الحسين، قالت: وجاءت الجنية منهم وهي تقول: أيا عيناي فانهملا بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي على رهط تقودهم المنايا إلى متجبر من نسل عبد)(2)، وقيل ذهب الإمام الحسين (عليه السلام) لتوديع ولده الإمام السجاد (عليه السلام) فقال له: "يا ولدي! بلغ شيعتي عني السلام، فقل لهم: إن أبي مات غريبًا فاندبوه، ومضى شهيدًا فابكوه"(3)، فالسلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، ولعن الله قاتليك وظالميك إلى ابد الأبدين.
اضافةتعليق
التعليقات