هناك من إذا وَلجَ الحياة دعت عليه بالويل والثبور، وإذا غادرها تستبشر فرحا وتتمنى أنه لم يولد، فقد يكون بلاءاً على الدنيا..!
يقول احدهم:
فكم من وليدٍ وَددنا لو أنه
يموتُ بأيدي القابلاتِ صَريعا
تبشُ اليهِ الامهاتُ ولو دَرتْ
بما سوف يَجنيه لطمنَ النواصيا!.
وعلى النقيض هناكَ من يأتي الى الدنيا ليثريها، فإذا خرجَ منها ترك فراغا روحيا كبيرا..
وليس المقصود بالثراء هنا المعنى المادي ابدا، فكم هم الذين تركوا اثارا مادية فهل بقي ما تركوه وهل بقي من تركوا له؟!
أين هو قارون وكنوزه التي كانت تنوء بالعصبة؟!
وأين رؤساء قريش! وآل امية وبني العباس؟!
(فما مات عيسى وهو يفترش الثرى
ولا عـاش قـارون وأبـوابـهُ تِـبـرُ).
تلك هي قصورهم خاوية على عروشها!، فالذي تخلد ذكراه هو من يترك آثارا فكرية ومعنوية.
اننا نستذكر العلماء والمفكرين ونحتفل ونحتفي بهم وتخلد ذكراهم لأنهم صنعوا ما يخلدهم..
والامام الحسن من هذا النوع الذي اغنى الحياة بعلمه من اول يوم ولد فيه حتى رأينا رسول الله يحمله ذات يوم ووجهه يتهلل فرحا بأول وليد يربط بين طرفي النبوة والامامة، وقال في حقه القول المشهور "ان ابني هذا سيد".
فكان يحمله ولا يكاد يفارقه لحظة حتى في سجوده؛ لذا يروى ان احدهم قال: يارسول الله نراك اطلت السجود فهل هبط عليك الوحي قال لا وانما ولدي ارتحلني فكرهت ان اعجله..!،
ونقل لنا التأريخ ان الامام الحسن كان ينادي رسول الله "أبه"، وبالمثل فقد كان الرسول يقول في حقه هو واخيه الحسين: "هذان ابناي وابنا ابنتي..".
ولا غرو فالامام الحسن منذ ولادته كان ينهل من نمير ذلك البيت الذي ابعد الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ذلك انه قد أبى الرجس في عقيدته وفكره وخُلُقه.. كان تجسيدا ومصداقا جليا لآية التطهير فكان الطهر الطاهر بالقول والفعل.. فهو نموذج متكامل روحا وجسدا للعطاء، والخلق الفاضل.
وعلى العكس فانا نرى فرعون زمانه "معاوية" يتشبث بكل ما يمكنه ان يرفع شأنه وشأن عائلته، وما يحط من شؤون آل علي فمنذ تسنمه الخلافة المزعومة في بضع سنين عجاف.. بدأ ينشر ثقافة التسقيط بلعن امير المؤمنين من على المنابر حتى عَدّ التاريخ اكثر من مئة منبر لعن من فوقه الامام علي (ع) واولاده.
ولكن هل ضرتهم تلك اللعنات؟
- كلا والف كلا فهذا الامام الحسن بعد اكثر من الف سنة يحتفل العالم بذكرى ولادته في حين ان معاوية اينما ذُكِـر أُلـحِق ذِكره بـ "لعنه الله"..!!.
لكنه الحسن بن ابيه يستنزل الاحداث ليرويها دروس فتح يستنشقها التأريخ عبق "نصر من الله وفتح قريب".
فأين لمعاوية ان يبلغ شأن قدسه النوري..؟
وأين لقلوب ملئت حقدا وضغينة ان ترى اللجين؟!
فهذا الحسن يرث حديـبية محمد..!
تمثلته فيها بحرا هائجا محملا بهموم مشروع السماء..!
كيف سيوصله الى النصف الثاني من الامة وهي التي لم تقف عند حالة كونها جاحدة بعلي..
بل تعدت الى اعتقادها الزائف بأن معاوية امام تجب طاعته!
والحسن خارج عليه وتجب البراءة منه!!
ولم تقف عند عقيدتها بذلك بل تحولت الى جيش همه قطع نسل آل علي واقصائهم من الوجود!
ومع ذلك قَبِـل الصلح حقنا لدماء المسلمين..
ولاشك في حكمته لحظتذاك اذ ان محمدا النبي قال عنه: (الحسن والحسين امامان ان قاما او قعدا) وهو مع ذلك لم يسلم من جور معاوية كما لم يسلم منها اخاه الحسين..
فآل امية مخادعون اينما ثقفوا..!
لا من يصالحهم يسلم ولا من يخرج ضدهم يسلم!
هو تاريخهم المشهود يستقصيهم فلا يجد فيهم إلا الشنآنَ والنفاق!.
اضافةتعليق
التعليقات