بلا شك تلعب وسائل الاعلام الجماهيري دور رئيسي في عملية التغيير والتنمية الشاملة، فهي احدى اهم الوسائل التي تؤثر في وعي الافراد وقيمهم ومبادئهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وفي زمن العولمة والانفتاح الفضائي والافتراضي حيث ينتفي فيه الزمان والمكان، كان للمرأة دور فعال في صناعة وصياغة الرسائل الاعلامية التي تُبث الى المجتمع.
وقد قام ملتقى المودة للحوار _والذي تعقده جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية دورياً_ بمناقشة هذا الموضوع والذي كان تحت عنوان: (المرأة الاعلامية وصناعة الاحتراف)..
وباستضافة سماحة الشيخ مرتضى معاش، وبحضور جمع من الكاتبات والناشطات في قضايا المرأة والمجتمع.
ادارت الحوار رقية تاج/ كاتبة صحفية، بمقدمة قائلة:
في خضم الحرب الناعمة التي نعيشها والغزو الثقافي والفكري، تتولى المرأة مسؤولية التصدي لهذه الهجمات والرسائل المسمومة، فاليوم كل امرأة هي اعلامية، فأي واحدة تملك أي وسيلة تواصل اجتماعي فهي بالحقيقة تملك منصة اعلامية مؤثرة.
وهي التي يجب عليها في المرتبة الاولى ان تولى مهمة تغيير الصورة النمطية السائدة في الذهن الجمعي والتي سعت الى تسليع المرأة من خلال التركيز على قضايا ثانوية كالموضة، الجمال، والموديل، والطبخ... في مقابل خطاب اعلامي ضعيف يخاطب عقليتها وانسانيتها..
وأمام كل هذه الصور المزيفة على الاعلام ان يكون له دور مهني ومنصِف، ومن حق المشاهد أن يرى انموذجا حقيقياً للمرأة المسلمة الملتزمة، فبعد عام 2003 شهد العراق انفتاحا غير مألوف ازداد فيه عدد الفضائيات والقنوات التلفزيونية، والصحافة المسموعة والمقروءة، وازداد عدد الاعلاميات العراقيات، وفي خضم الفساد الاداري الموجود في الكثير من القطاعات العامة والخاصة على حد سواء جعل معايير التقديم وفرص العمل تخضع لضوابط غير مهنية وغير عادلة، مما ادى الى ظهور اعلاميات ليس فقط من غير ذوي الاختصاص وانما لايرتقين الى المستوى المطلوب وعليه.. يأتي السؤال هنا..
1. ماهي اسباب غياب المرأة الاعلامية؟
طُرح السؤال على الحاضرين وكانت الاراء والاجابات كالتالي:
القضايا الرسالية مغبونة
زينب صاحب/ رئيس جمعية المودة والازدهار النسوية في كربلاء قالت:
يوجد اسباب ذاتية واسباب مجتمعية، أما الذاتية فإن المرأة بحد ذاتها لم تصدق بعد المرحلة التي تمر بها، وبتعبير أدق لم تعي بها، وهي نقطة اساسية برأيي، ففي ظل هذه الهجمات يجب ان تعلم النساء ماهو دورها في هذا المجال، هل تقف متفرجة، أم ماذا؟!
بالاضافة الى عدم الثقة، فالاسرة والمجتمع لايساعدونها لتحقق ذاتها، فتهتز ثقتها بنفسها نتيجة ذلك، وحتى من خلال اي وظيفة تقوم بها فهي تمارسها بنمطية، والكل يقبل بذلك ويشجعها، أما في القضايا الرسالية فلا أحد يشجعها بل يثبّط من عزيمتها.
أما الاسباب المجتمعية، فتأتي النظرة الذكورية والاعراف والتقاليد الموجودة في المجتمع، وفي حال ظهرت المرأة في هذا المجال، تتعايش الكثيرات منهن مع مظاهر الاعلام المفتوح، ونحن بحاجة الى اعلام مضاد للاعلام الفاضح، متحفظ ومهني في نفس الوقت، فهذا مايسبب عدم ظهور المرأة اعلاميا، وبسبب المضايقات التي تتعرض لها ايضا من التحرش الى الاغتيالات، فهناك نسبة 68% تعرضن للتحرش، وهذا مايجعل المرأة تخاف ولاتتجه للاعلام.
الاعلام العاشورائي وصل بصوت النساء
ولاء عطشان/ معاون رئيس الجمعية وباحثة اسلامية تقول:
المرأة لاتعي أهمية دورها في المجتمع بشكل عام، وهي لاتفهم الاعلام بصورة صحيحة، فمن الممكن ان تكون المرأة اعلامية من مكانها، مثل دور السيدة الزهراء ومن بعدها ابنتها السيدة زينب في كربلاء، فالاعلام العاشورائي وصل بصوتها وصوت الامام زين العابدين (عليهم السلام)..
واليوم يغيب هذا الدور الفعال بسبب اختلال الوضع الامني ونظرة المجتمع على ان هذا المجال لايدخله سوى المرأة الغير محتشمة، فنظرة التعميم في مجتمعنا خاطئة، فعندما يرى امرأة غير ملتزمة يعممها على البقية، مما يمنع المرأة من الخوض في هذا المجال.
الثقة اكسير العمل الاعلامي
أما فهمية رضا/ كاتبة صحفية قالت:
من الاسباب المهمة التي أراها هي: عدم ثقة المرأة بنفسها، وأكثر النساء منشغلة بأمور جانبية كالموضة والجلسات الترفيهية، فلا يتسع الوقت عندها لغير قضايا.
والنظرة الدونية من المجتمع ومن نفسها، فهي تخشى ان تقدم اي شيء، فالمرأة في المنزل عندما تبدي رأيها حول موضوع ما يعارضها الرجل ويستصغر رأيها، فكيف تقدم هذه الفكرة الى المجتمع!.
غياب المساواة ظلم المرأة الاعلامية
منار قاسم/ ناشطة وصحفية في صفحات التواصل الاجتماعي تقول:
أهم اسباب غياب المرأة الاعلامية هي انتشار المؤسسات الحزبية والفئوية والمحاصصات وغياب المؤسسات المستقلة، وتجلّى هذا على عموم المشهد الاعلامي، وهذا بالتالي أثّر على ظهور المرأة مع ان الدستور العراقي ينص في المادة14، في المساواة بين العراقيين بغض النظر عن الجنس أو الدين...
والمساواة غير موجودة في مجتمعنا، فهناك تهميش كبير لدور المرأة، والطابع الذكوري غالب في المؤسسات الاعلامية، فقلما مانرى امرأة هي المسؤولة في العمل الاعلامي، ففي الغالب تكون في ظل الرجل. مع ان المرأة تستطيع القيام بكل شيء ولكن جل الاسباب خارجية فالمحيط هو الذي لايدعها، فعندما تتكلم المرأة أمام الكاميرا مثلا لايتقبل المجتمع هذا الظهور "الجريء"، بالاضافة الى المضايقات التي تتعرض لها والخوف منها، فالتهديات تطال المرأة الاعلاميةحتى في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا كله يؤثر في عدم ظهور المرأة الاعلامي.
صناعة النموذج
أما سماحة الشيخ مرتضى فكان رأيه:
"اليوم نتكلم عن صناعة النموذج، فالنموذج الرائج في وسائل الاعلام اليوم تقتدي به بناتنا وخصوصا المراهقات، وهذه مشكلة خطيرة في عالم اليوم الذي تسوده صورة خاطئة عن المرأة، وهي الصورة الغربية، ومسؤولية المرأة الرسالية اليوم هي وقفة حقيقية ومساهمة فعالة في صناعة النموذج الصالح لفتياتنا وهي المرأة الاعلامية الناجحة.
واغلب الحاضرات طرحن نقطة غياب الثقة بالنفس وانا ارى اهم الاسباب هي غياب الثقافة، فأحد اهم الاسباب لغياب المرأة الاعلامية هي غياب المرأة المثقفة ثقافة عميقة، فكم واحدة اليوم تستطيع ان تجاري العلمانيات مثلا في برامج التلفاز الحوارية، أما مايطرح عن اسباب الغياب وهو الانشغال بالتربية وو..، فهنا يأتي غياب العامل الاداري، فعلى المرأة ان توازن بين مسؤولياتها ويكون لها اولويات وتقنع الاخرين في بيئتها بالرسالة التي تحملها، فلا تتمرد ولاتستسلم، فكلاهما خطأ، على العكس انا ارى المرأة الاعلامية المثقفة هي قادرة على تربية ابناءها تربية حكيمة.
2. كيف تصل المرأة الاعلامية الى الاحتراف؟
زينب صاحب: الاتجاه السائد هو ثقافة المظهر، حتى باتت المعادلة تقول بأن الاعلام يساوي المظهر، اذا استطعنا ان نخرج من ثقافة المظهر ونركز على ثقافة الجوهر فهذه خطوة او خطوات نحو الاحتراف.
الشيء الاخر، وهو ما تحدث عنه سماحة الشيخ وهو مسألة الثقافة، انا اراها هي ضمن الخطوات نحو الاحتراف، بالاضافة الى تنمية المهارات واللغة، وعدم القناعة بالمهارات الموجودة، والطموح الدائم الذي لاحد له، فعلى المرأة ان تزيد نسبة ثقافتها دائما.
ولاء عطشان: على المرأة ان تسعى دائما الى الاطلاع على المجال الذي تريد الخوض به، وأن تبذل جهدها حتى تصل الى مرحلة الاحتراف وحتى تطور من نفسها، من خلال زيادة المعرفة والاطلاع الدائم.
فهيمة رضا: من اهم الامور هو ان تتوكل المرأة على الله، وان تدعوه على الدوام، وان تمتلك الشغف والارادة وتنمي الثقافة لتصل الى الاحتراف.
منار قاسم: ان تملك القدرة على مواكبة كل مايحيط بها، وأن يكون لديها اطلاعات واسعة في كل المجالات كالدين والسياسة والرياضة...، وليس فقط في مجال واحد ونسائي، وللدورات التدريبية اهمية كذلك وترفده الاجتماعات المكثفة، ووجود مؤسسات مستقلة تعنى بالمرأة.
الشيخ مرتضى معاش: في البداية علينا ان نعلم ماهو الاحتراف وهو القدرة على التأثير في المقابل بأحسن صورة وبأفضل المهارات، كالمهندس المحترف الذي يصنع بناية متكاملة.
والثقافة ركن اساسي هنا، فمن دون الثقافة لانستطيع اقناع الاخر، والعمق ايضا مهم فالمرأة اليوم تتجه الى الخواطر الادبية والهمسات والمشاعر..، وهذا جيد ولابأس به، ولكنه عمل غير محترف، هذا عمل هواة، أما المحترف فلديه رسالة، هيكلية، خريطة، تخطيط، فخطبة فاطمة الزهراء كل كلمة بل كل حرف فيها له معنى، فالعمق خطوة مهمة للاحتراف.
واضاف: نحن نحتاج الى صناعة الجودة، وهي الاتقان في عملية العمل الاعلامي المحترف، والى العمل العلمي وليس المزاجي لتنفيذ المهام المطلوبة بعيدا عن الارتجالية، وهذا مانعانيه اليوم وهو العمل الغير علمي، بالاضافة الى ان المهنية تتتطلب ذكاء اعلامي يصنعه المتكلم في ايصال الرسالة الى الاخر، فعلى الاعلامي ان يوصل عدة رسائل من خلال كلمات قليلة، الصحفي المحترف هو الماهر في كتابة ماوراء السطور، هذا يتطلب ذكاء، لغة متقنة، ثقافة، وفهم لموازين الكلام والمتكلم والخطاب.
المقترحات والتوصيات:
1_ المرأة بحاجة الى توعية وتحصين وتسليح وتعزيز لثقتها بنفسها لكي تحضر بقوة في المجال الاعلامي.
2_ تكاتف الجهود جماهيريا واعلاميا للنهوض بواقع المرأة وتشجيعها للخوض في المجال الاعلامي الملتزم، وتغيير الصورة النمطية السائدة في العقل الجمعي.
3_ تقديم نماذج لنساء اعلاميات ناجحات وتسليط الضوء عليهن في وسائل الاعلام المختلفة.
4_ لكي نسير خطوات على درب الاحتراف نحتاج الى جهد مؤسساتي وجهد شخصي جنبا الى جنب.
5_ تأهيل العاملات في مجال الاعلام ودعم قدراتهن وتأهيلهن للحرفية من خلال دورات تخصصية تقوم بها منظمات المجتمع المدني.
6_ اعداد الدراسات والبحوث ومناقشتها حول موضوع المرأة الاعلامية وبناء الاحتراف.
اضافةتعليق
التعليقات