يوميا يرتفع صوت الشجار من منزل جارتي التي تسكن أمام شقتي تحديدا، تتقاذف هي وزوجها الاتهامات والكلمات البذيئة على بعضهما البعض، تصعد وتيرة المشاكل بينهما يوما بعد يوم وكان من المتوقع جدا سماع خبر انفصالهما في أية لحظة، اما جارتي التي تسكن في الطابق الأول فقد كان عدم التوافق بينها وبين زوجها جليا وواضحا لكنها فضلت السكوت على أصوات الشجار العالية، ومن الواضح بأن هنالك فجوة كبيرة في حياتها الزوجية، ولكنها لا تحب أن تشارك تفاصيل حياتها الخاصة.
وفي جَمعة نساء العمارة التي تحصل كل يوم اثنين في منزل جارتنا أم محمود، انصدمت كثيرا عندما أعلنت جارتي ذات الصوت المرتفع عن خبر حملها بدلا من خبر انفصالها المتوقع، ولأن كل العمارة كانت متطلعة على مشاكلها فإنها لم تحرج من قول الحقيقة: "نصحتني أمي بالحمل، قالت بأن الطفل سيكون مسمارا ذهبيا في حياتك الزوجية وسيثبت زواجك أكثر ويربط بزوجك وسيوطد العلاقة بينكما".
الجميع انصدم بالخبر، فمن شهد على مقدار المشاكل في حياتها الزوجية كان سيتوقع خبرا غير ذلك ولكني في النهاية تصالحت مع الخبر وابتلعت صدمتي وهنأتها وكذلك نساء العمارة هنأوها وباركوا لها حملها ودعوا لها بسلامتها وسلامة الجنين.
بانت ملامح الاستياء على وجه جارتي التي تسكن الطابق الأول (الجارة الصامتة) قاطعت تبريكات الناس وقالت لها: "وماذا لو لم ينجح الأمر؟، ماذا لو لم تتوطد علاقتكما واستمرت المشاكل حتى بوجود الطفل؟، في هذه الحالة سيكون الطفل ضحية لعلاقتكما..
وأكملت: "ربما كان من الأفضل أن تصلوا إلى التفاهم قبل التفكير بالإنجاب، وأن لا تجعلوا طفلا بريئا حقلا لتجربة زواجكم الفاشلة!".
وخرجت غاضبة من غرفة الضيوف عائدة إلى شقتها تاركة خلفها نساء العمارة التي رسمت على وجوههن ملامح الحيرة والدهشة فحتى جارتي الحبلى تأملت بطنها وكأنها شعرت بتأنيب الضمير ودمدمت مع نفسها: "ماذا لو فعلا لم ينجح الأمر، وكان الطفل ضحية لزواجي الفاشل".
مع بالغ الأسف هذا هو حال الكثير من النساء اللاتي تمرن بظروف زوجية سيئة منذ الأيام الأولى وحتى سنوات متقدمة، فتمتلئ حياتهن بعدم التفاهم والاحترام وسوء المعاملة وانعدام الاستقرار.
وبالرغم من زيادة شرار المشاكل هنالك من يجد بأن الحل السحري يكمن في الإنجاب عسى أن يكون المولود الجديد سببا في اصلاح العلاقة الزوجية وزيادة في التفاهم والمودة بينهم.
ولمعرفة تفاصيل أكثر حول الموضوع كان لبشرى حياة حوارا مع الخبيرة والرائدة في العلاقات الزوجية (د. جمانة الفيصل) حيث قالت:
"فعليا، هنالك من يرى بأن الطفل هو المنقذ الوحيد للعلاقة الزوجية الفاشلة، إذ إن حالات كثيرة تتجه إلى فكرة الإنجاب بالرغم من وجود المشاكل، وذلك أملا منهم أن يكون الطفل سببا في اصلاح العلاقة الزوجية وعنصرا أساسيا في زيادة التواد الأسري بينهم.
وربما قد ينجح الأمر في بعض الأحيان مع الأزواج اللذين يعانون من المشاكل التي تكون ناتجة من اختلاف البيئة وبعض الأفكار غير الأساسية التي قد تندمج مع مرور الوقت وتصبح فكرة واحدة، أو تتعرض إلى التقبل من الطرف الآخر لضمان استقرار الأسرة وسعادة الطفل، فيأخذ الطفل الحصة الأكبر من وقت الأهل، فلا يجد الأبوين الوقت الكافي للانشغال بالتوافه وترصد نواقص البعض، والبحث عن ثغرات الآخر، فينشغلون بمن هو أهم بالنسبة لهم.
فماهية المشاكل تختلف من زوجين إلى آخرين، إذ إن هنالك مشاكل عقيمة ناتجة من عقيدة الشخص بالحياة أو تصرفات غير قابلة للتغيير أو التقبل، أو أخطاء كبيرة لا يمكن تخطيها بسهولة، هنا من الصعب جدا أن يصل الزوجين إلى طريق واحد حتى بوجود الطفل، بل على العكس تماما سيكون الطفل هو الضحية والمتضرر الأكبر من هذه العلاقة.
وفي هذه الحالات يلعب التشخيص الدور الأكبر في تحديد نوع المشكلات وكيفية تفاديها ومعالجتها".
وختمت (الفيصل) كلامها:
"يبقى الطريق الأفضل الذي يجب أن يقصده الأزواج اللذين يعانون من المشاكل والاضطرابات في علاقتهم الزوجية هي معالجتها أولا، وإيجاد الطرق المناسبة للتفاهم والتواصل السلمي والحصول على استشارات زوجية من قبل المختصين للوصول إلى الاستقرار التام قبل التفكير بالإنجاب، والتحدث بصورة سلمية وباحتواء وتفهم عال، لكيلا يكون الطفل شماعة تحمل مشاكل الأبوين، ولا يكون الطفل السبب الذي يربط الزوجين قسوة مع بعض، المطلوب هو أن يولد الطفل بين أحضان أم وأب متحابين في بيئة مستقرة ومحبة خالية من المشاكل التي من الممكن أن تؤثر سلبا على نفسية الطفل وبناء شخصيته.
اضافةتعليق
التعليقات