في باص واحد تحت مسمى "الكروبات السياحية" اجتمعت العوائل لتنطلق من جنوب ووسط العراق الى شماله.. حيث الجبال تسحر بجمالها، السفوح بخضرتها والمياه بنقاءها... حيث الرذاذ يتطاير من الشلالات ليلطف الأجواء وينعشها.. يُسعد النفوس ويريحها .
يتوافد الناس على المصايف والحدائق.. ضحكات الشباب وصفيرهم.. لعب الاطفال وصراخهم يمتزج مع اصوات الغناء العالية لتشكل اللوحة: السياحة السعيدة (بنظرهم).
" الحجاب" كان اشدهم معاناةً في مثل هذه الرحلات.. كثيرا ما خُلع بمجرد الوصول الى تلك المناطق بحجة ان المجتمع مختلف ولا احد ينتبه للاخر.. والقسم الآخر مازال متماسكا فوق الرأس الا ان القميص قد قصرت اكمامه وظهر جزء كبير من اليد.. ووو الكثير من تلك المناظر .
الترفيه وتغير الجو كان سبب لتجوالي في احدى الحدائق العامة، لكن القلب مليء حزناً.. والنفس ازدادت هماً مما رأت.. تساؤلات كثيرة في داخلي حول تلك الافعال.. كلمات صامتة ودت لو ان لها حق الخروج لتوبخ من هم امامي نساءاً ورجالا ..
وانا بتلك الحالة جلست بجوار شجرة كانت تنفض اوراقها الماً.. سمعت ضجة الماء وهو يسري في اغصانها غضباً.. لسان حالها :
لِمَ عباد الله يضحكون وهم يعصون الله؟!
لِمَ عباد الله يسعدون وهم يغضبون الله؟!
لِمَ ولِمَ؟!
ثم قل ضجيجها بشكل مفاجئ! وعم هدوء غريب.. انتبهت لهاتفي الذي كان بيدي والقصائد الحسينية تصدح منه.. حينها سمعت هذا البيت :
" سكتت الدنيا من بدا عابس يرتل سورته
حاءٌ وسينٌ ثم ياءٌ ثم نونٌ آيته".
سكتت حقاً.. بل صمتت وهي تنصت لذكر حروف الطهر.. حروف الفخر.. حروف الدُر .
لاحظت خشوع الشجرة.. سمعت بكاؤها.. رأيت دموعها.. شهدت عزاءها وهي تندب السبط .
طيور هبطت تشرفاً.. واخرى اوطأت ارتفاع طيرانها لتقترب اكثر وتسمع ذكر الحسين عليه السلام.. رأيت السماء وهي تلملم مابها من غيوم برغم اشعة الشمس الحارقة، سحبت كل تلك الغيوم الصغيرة لتكون غيمة قادرة على تضليل المكان الذي كان يضج بحروف اسم الحياة.. حروف اسم التُقاة.. هبت رياح حارقة وكأنها قادمة من بركان ناري، هبت لتوقد تلك الجمرة التي تكلم عنها رسول الله صلى الله عليه واله حين قال: "ان لقتل الحسين حرارة فى قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا".
تحسست تلك الحرارة حين تشكل مجلس حسيني بمجرد ذكر حروف اسمه.. مجلس حسيني مختلف.. كلاً يبكي بطريقته.. يصرخ وينعى.. مجلس جمع الشجر والحجر.. السماء والطير.. ثم بدأ وقت الفخر، فخر تلك الكائنات على غيرها بأنها متشرفة بذكر الحسين وحاضرة لمجلس من مجالس عزاءه، كيف لا تفتخر وائمة الطهر يضمنون الجنة لمن يذكر الحسين .
• روي عن الإمام الرضا عليه السلام :
" من جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب".
• روي عم الإمام الصادق عليه السلام :
" ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة، وغفر له".
•روي عن الامام السجاد عليه السلام :
" أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (ع) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ."
حينها تمنيت لو ان اولئك السُياح تذوقوا تلك السعادة المرتبطة بذكر حروف اسم الحسين في مكان لم تردد فيه من قبل .
ليتهم لو استغلوا سياحتهم لتخليد ذكر اهل البيت عليهم السلام خصوصاً في مجتمعات لم تعتد على ذكرهم .
ليتهم لو تمسكوا بالطاهرين فكانوا زيناً لهم .
اضافةتعليق
التعليقات