تغيير طريقة التفكير لا يحدث من تلقاء نفسه. يتصور الناس أن الأفكار العظيمة تحديدًا تأتينا من العدم إلهاما، وليس بالإمكان البحث عنها.
والحقيقة أن أقرب تشبيه لعملية التفكير هو عملية الصيد، الفكرة تشبه الفريسة، وحتى تحصل على فريسة جيدة لا بد أن تمتلك أدوات صيد جيدة، ولا بد كذلك أن تجتهد وتلتمس كل طريق يوصلك إلى فريسة جيدة.
هناك سبع آليات للوصول إلى أفكار عظيمة، أو سبع أدوات صيد على اعتبار أن الفكرة كالفريسة..
-التفكير الشمولي
يمنحنا الشمول دائماً رؤية ناضجة، فالعقل يشبه النافذة التي ننظر من خلالها إلى أي شيء حولنا، وكلما اتسعت النافذة دخل النور أكثر، واتضحت الصورة أكثر، واتسع الأفق الذي نرى العالم تحته.
المجتمعات غالبًا ما تضع الناس داخل قوالب ثابتة، هذا إن لم يصنع الإنسان هذا القالب بنفسه، ويضع حدودًا لإبداعه بدوافع مثل الخوف والكسل والرغبة في الشعور بالاستقرار والأمان.
يدعونا مؤلف الكتاب إلى الخروج من هذه القوالب، وتبني الشعار القائل إن الحياة ليست سوداء أو بيضاء دائما، فهناك مساحة واسعة من اللون الرمادي، وهذه المساحة مليئة بالأفكار التي رفضناها ونتوجس منها خوفا ونبحث عنها، وليس علينا إلا أن نلقي بأنفسنا في هذا العالم الضخم.
والإنسان كلما استكثر من الخبرات التي يكتسبها، وكلما تعرض لأفكار مختلفة عما تعوده وخرج من منطقة الراحة والأفكار السهلة التقليدية، فإنه يوسع حينئذ من المنظور الذي يرى العالم من خلاله، ويجعله منظوراً شاملًا، ومن ثم يكبر عالم الأفكار الخاص به.
-التفكير المركز
إذا كنا قد شبهنا العقل في مرحلة التفكير الشمولي بالنافذة، فإن العقل في التفكير المركز يشبه المصباح، والمصباح حين يُخرج أشعة النور فإنه يخرجها إلى مسافات محددة لكن في كل الاتجاهات، والتفكير المركز يحتاج منا إلى تحويل عقولنا من مجرد مصابيح تُخرج أفكاراً كثيرة مشتتة إلى ليزر يُخرج شعاعاً واحداً مركزا إلى مسافات بعيدة.
يهدف التفكير المركز إلى تقليل التشتت، لأن التشتت يقلل من قوة التفكير ومن ثم تخرج الأفكار ضعيفة باهتة، وفي بعض الأحيان يكون التركيز ضروريا للخروج بفكرة صحيحة ناضجة لحل المشكلة.
يُبنى التفكير المركز على ثلاثة أمور:
1- التخلص من عوامل التشتت بوضع الأولويات تحدد الأمور الأكثر أهمية بالنسبة إليك، وتضعها على رأس القائمة، وإذا ما شعرت بالغرق في التفاصيل والتفكير في أمور هامشية عُد مرة أخرى إلى رأس القائمة حتى تقلل التشتت.
2- وضع الأهداف
الأهداف قريبة المدى الواضحة بما يكفي تساعد على عدم تشتت الذهن، وتجعل العقل في حالة من التركيز لتحقيق هذا الهدف في أقصر وقت ممكن.
3- التخلي
التركيز وتوجيه الضوء أو طاقة التفكير في اتجاه واحد يعني التخلي عن بقية الأفكار الأخرى، وهذا الأمر قد يسبب مشكلة لدى بعض الأشخاص الذين يكرهون الخسارة فالتخلي يجعلك تخسر بعض الأفكار في سبيل الوصول إلى فكرة واحدة كبيرة وجيدة.
-الاستفادة من التفكير الإبداعي
يظن الناس غالبًا أن التفكير الإبداعي يمثل شيئا أسطوريا، وهذا من المبالغات الشديدة، لأنك لو نظرت عن كثب إلى إنسان مبدع وحاولت تتبع أعماله ودراسة إبداعه، فستتمكن من استنباط النمط الذي سار عليه.
الإبداع ليس شيئاً عشوائياً، وإنما يُبنى على المعارف والخبرات السابقة، ولو تأملت أعمال إنسان مبدع فستجد أنه تربى في بيئة معينة، وتعلم فيها بطريقة معينة، وهذه البيئة هي التي ساعدته على أن يكون مبدعاً.
والبيئة التي تساعد على التفكير الإبداعي لها ثلاثة شروط:
1- وجود الخيارات البديلة
تستطيع تدريب نفسك على هذا عن طريق استكشاف الاحتمالات الأخرى، فهذا يستدعي تنشيط حاسة الخيال لديك، والذي يمثل العنصر الأول في عملية التفكير الإبداعي.
2- عدم الخوف من الفشل
الإبداع عموماً يحتاج إلى مجازفات كبيرة. وبعبارة أخرى فإن الإبداع يحتاج إلى أن تكون غبياً، لأن هذا الغباء هو الذي يخرج بالمبدع عن القالب التقليدي، ولأن الغبي لا يخاف الاعتراف بغبائه وفشله، فهو دائما مستعد للتجارب الجديدة حتى لو فشل فيها.
3- التعرض لأنماط فكرية جديدة
يحدث هذا بالسفر إلى أماكن جديدة، أو باستكشاف ثقافات وتقاليد جديدة، فهذا يساعد على معالجة الأمور بطريقة أكثر مرونة من خلال توظيف الأفكار على نحو مختلف.
-توظيف التفكير الواقعي
مشكلة عملية التفكير أنها تعتمد في جزء كبير منها على الخيال وهذا الخيال يُبنى في الغالب على الأمل، وهنا تكمن المشكلة، لأن الأماني تعطينا أفكاراً غير قابلة للتطبيق وتحقيق النتائج، لأنها في الأصل ليست مبنية على شيء واقعي ملموس وإنما على ما نتمناه.
حتى لا تقع في شراك الأفكار الوهمية التي تُبنى على الآمال، فإن بعض القسوة على النفس تصبح ضرورية، هذه هي اللمسة الواقعية التي تحتاج إليها الأفكار لتصبح أكثر نضجا، فالناس دائمًا يميلون إلى تجميل التفاصيل والحقائق وخصوصا ما يكون مؤلماً منها، لذا تجد الكثيرين يعظمون نجاحاتهم ويقللون من فشلهم هروباً من التوتر الذي تجلبه لهم الحقيقة.
-ممارسة التفكير الإيثاري
التفكير الإيثاري يمنحك الإشباع الذاتي لأنه يجعلك تشعر أنك شيء أعظم من نفسك، والغريب حقا أنك لو تعاملت مع جزء من الشيء الذي تفعله من هذا المنطلق فستحصل على نتائج عظيمة لنفسك ولغيرك.
لنفترض مثلا أنك تبيع دواء، لكنك قررت أن تبيعه ليحصل الناس على الشفاء، وتخليت عن فكرة الربح التي تسيطر عليك، فأنت بهذا لن تخسر وستربح مرتين مرة حين تبيع الدواء، ومرة حين تشعر أنك نفعت الآخرين.
التفكير الإيثاري يعني أن تتخلى عن أنانيتك واحتياجاتك وتنظر إلى احتياجات الآخرين، وهذا يتطلب منك أن تراجع دوافعك باستمرار، وأن تسأل كل صباح: " ما الخير الذي أنوي تقديمه اليوم؟ هل أفكر في الآخرين أم في نفسي فقط؟".
اضافةتعليق
التعليقات