القيم هي الشفرات الداخلية التي توجه سلوكياتنا، وهي المبادئ التي ندير بها حياتنا ونتخذ على أساسها قراراتنا، ونحن نتلقى الدفعة الأولى من قيمنا في مرحلة الطفولة من خلال آبائنا، ثم تبدأ القيم في التنامي من خلال ما نكتسبه من أقراننا ومعلمينا ومعتقداتنا الدينية والاجتماعية، فمن كل هذه المصادر نستقي - سواء شعوريًا - المبادئ التي نقرر أن تحكم سلوكنا وحياتنا.
والقيم تمثل المعايير والأخلاقيات التي نضعها بأنفسنا لتحكم سلوكنا وهي غالبًا ما تحوي تلك المفاهيم العامة من قبيل الإخلاص والصدق والعدل والحرية وما إلى ذلك، فتلك المعايير السلوكية لها أهمية قصوى من أجل بقاء الأفراد والمجتمع، وبدونها تعم الفوضى والتشويش وتنمحي الحضارة في وقت قصير .
الأفكار لها شكل مادي :
أوضحت الدراسات الطبية أن الأفكار ليست مفهومًا معنويًا مجردًا، بل إن تلك الأفكار تظهر في المخ على هيئة إشارات كهرومغناطيسية من الكيمياء الحيوية، والتي تحمل الرسائل العصبية عبر شبكة خلايا المخ، والتي تشبه سلسلة من المشاعل المضيئة فوق التلال، والتي تشتغل الواحدة تلو الأخرى في شكل خاطف، والأمر يشبه التماع الأفكار في قصص الرسوم المتحركة على شكل مصباح .
والأكثر إثارة للدهشة أن كلّ مرة تمر إشارة كهرومغناطيسية عبر طريق محدد، فإنه يسهل استقبالها كثيرًا، وتزداد احتمالية أن تلقى تلك الفكرة الأثر المرغوب منها، وهي تشبه في ذلك شق طريق وهمية في غابة حتى يسهل الرجوع منها .
والتفكير السلبي يسبب المزيد من السلبية، بينما التفكير الإيجابي يؤدي إلى تحسين الصحة والمفاهيم والإبداع ...... الخ.
إن التفكير الإيجابي والقيم وجهان لعملة واحدة، فإذا لم تكن قيمك مجدية بالنسبة لحياتك وصحتك ومستقبلك ومن حولك، فسوف تزداد احتمالية أن تكون حياتك وحياتهم غير مريحة وغير مرضية، أما إذا كانت القيم الخاصة بالإيجابية، فسوف تعود عليك وعلى من حولك بالخير الوفير.
إن تكرار السلوك الذي تضبطه القيم هو الذي سرعان ما يتحول إلى عادات، وتلك العادات تمثل جزءًا أساسيًا في شخصيتك وأسلوب التعبير عنها .
لقد صرت الآن على دراية بقوة الفكرة، وهذا يعني أنك قادر على استعادة السيطرة على حياتك، وبإمكانك التخلص من شعورك الوهمي بأنك ذو حظ سيء، وأنت وحدك الذي تستطيع أن تخلق لنفسك الحظ الجديد أو السيء، وبهذا سوف تتحمل مسئولية نفسك ومسئولية أفعالك .
المداومة على التفكير الجيد :
أكدت الأبحاث أن المخ يعمل باستمرارية، وهذا يعني أن علميات التفكير تتضاعف وتتمدد يحدث عندما تسبح بخيالك في أحلام اليقظة .
وعليه فإنك إذا ملأت عقلك بالأفكار الإيجابية والجيدة، فإن تلك الأفكار سوف تتضاعف في رأسك، وهذا التضاعف داخل رأسك سوف يظهر أثره في أفعالك، وسوف يبدأ في التأثير على كلّ من حولك وما حولك، ولأنّ مخ كلّ إنسان يعمل بنفس الاستمرارية، فسوف تكون مسئولا عن توصيل هذه القيم الإيجابية الصالحة النابعة من عقلك إلى الآخرين، وبذلك سوف يتعاظم الخير ويعم الجميع، وبذلك سوف تكون سفيرًا للقيم الإيجابية والذكاء الروحي، وسوف تكون ملاكًا للرحمة بالنسبة لمن حولك .
المخ أداة لتقصي الحقائق :
ومن الأنباء السارة التي حملتها لنا الدراسات التي أجريت على المخ البشري، أننا بطبيعتنا كبشر نميل إلى الصدق ونهتم بالتوصل إلى الحقيقة، فالمخ ما هو إلا أداة للبحث عن الحقيقة، ولكن لماذا يكون لزامًا على المخ أن يبحث عن الحقيقة؟
الإجابة بمنتهى البساطة هي لأننا نحتاج إلى معرفة الحقيقة حتى نتمكن من الحياة والبقاء، فمثلاً، إذا كنت لا تعرف حقيقة ما يحدث إذا اصطدم جسمك بسيارة نقل وزنها ثلاثة أطنان وتسير بسرعة ثمانين كيلو مترًا في الساعة، فقد يكون إدراكك لذلك هو آخر ما يحدث في حياتك .
فنحن نحتاج لأن نعرف حقيقة الأسباب وتأثيرها، ونحتاج لمعرفة ما يحدث حولنا، سواء أكان في نطاق إدراك حواسنا أو خارجا عليه، فنحن في حاجة لمعرفة الحقيقة .
وهذا هو السبب في نبوغ معظم الفنانين والعلماء من أمثال بيكاسو و دافنشي و سلفادور دالي وسيزان و نیوتن وآینشتاین. وغيرهم، فجميعهم قالوا إنهم كانوا يبحثون عن الحقيقة .
وهذا هو السر وراء إصرار الأطفال على التمسك المطلق بالحقيقة والصدق، ويجهشون بالبكاء عندما يتملص آباؤهم من وعودهم التي وعدوها لهم من قبل، فعندما يتهم الطفل أحد والديه في غضب قائلًا هذا ليس عدلًا، فأنت وعدتني بكذا، فهذا تعبير عن الغضب، أو بالأحرى تعبير عن الخوف، ولكن الخوف من ماذا؟
الخوف من فقدان الثقة فيما يدعيه الآخرون بأنه حقيقة، والخوف من الالتباس الشديد الذي يصنعه تناقض المعلومات، أي هو خوف من أجل البقاء والعيش، فمثلاً، إذا كانت البيانات التي يتلقاها مخ الطفل متناقضة أو غير صحيحة ، وإذا كان هذا الطفل يتصرف بناءً على هذه المعلومات، فسوف يكون هذا الطفل على وعي تام بأن فرصته في البقاء صارت ضئيلة، وكذلك كان الحال بالنسبة لأسلافنا من ساكني الكهوف، فقد كان لزامًا عليهم أن يضمنوا ثقتهم ببعضهم البعض، فإذا قال أحدهم إن هناك كهفا كبيرًا وآمنًا ومناسبًا للسكن والحياة، كان على الآخرين أن يثقوا بأنه لا يكذب، وبأن الكهف ليس في الحقيقة مأوى لدب مفترس أو وكر للأفاعي القاتلة .
فعندما تبحث عن الحقيقة - وهذا هو حقك الفطري ونزعتك الطبيعية، فأنت بذلك تساعد نفسك وتساعد الآخرين على البقاء، وعلى نقيض ذلك، عندما تكون غير صادق مع نفسك ومع الآخرين فأنت بذلك تقلل من فرصتك وفرصتهم في البقاء، وسوف تزيد بذلك احتمال تصرفك وتصرفهم على أساس مبني على معلومات غير صحيحة، وبالتالي تتضاعف الأخطاء في السلوك والتصرفات، مما قد يهدد مصالحك بالخطر.
ولقد بقي السؤال الفلسفي مثار الجدل على امتداد العصور يسأل عن المفاضلة بين أن يتصرف الإنسان بأمانة ليجلب الخير القريب، أو أن يتخلى عن أمانته دفعًا لضرر قريب، وسعيًا لتحقيق النجاح على المدى البعيد؟ فكبار العباقرة على مر التاريخ يتفقون على أن الحقيقة التي يلاحقونها على المدى البعيد هي أفضل الخيارات .
ولقد آن الأوان لتدريبك الروحي والذي ستكون قادرًا من خلاله على معرفة عدد هائل من القيم، والتي يمكنك أن تختار من بينها ما ترغب في أن يلازمك بقية حياتك .
التدريب الروحي :
(1) القواعد السلوكية :
عندما تمتلك مجموعة خاصة بك من قواعد السلوك، سوف تصبح حياتك أكثر يسرًا في ظل هذا العصر المليء بالضغوط والأنانية المتزايدة، والذي تتغير فيه المعايير الأخلاقية بسرعة كبيرة، فإن كان لديك القليل من القيم القوية وتتمتع بسلوك واضح قويم فلا تحيدن عنه، لأنه سوف يمكنك من التعامل مع الأزمات ويطوع لك المواقف الصعبة التي تقابلك في حياتك .
(۲) القيم الروحية الشائعة :
ومن القيم الروحية الأكثر شيوعًا: الحقيقة، الشجاعة، الحرية، الصدق، التعاون، التعاطف، الحب، الأمانة، الصبر، التسامح، العدل، المثابرة، الامتنان، السلام، الاتحاد، الإحسان.
ولا شك أن بإمكانك أن تضيف أكثر من ذلك .
ومن بين هذه القائمة اختر خمسًا من أفضل القيم لتجعلها منارات تهدي سلوكك، ولتجعلها المبادئ التي تبني عليها سلوكياتك وأخلاقياتك، وحياتك الروحية.
(3) طبق تلك القيم في حياتك: فكر في كيفية تطبيق كل قيمة من تلك القيم الخمس التي اخترتها في حياتك..
(4) ناقش قيمك مع الآخرين: عندما تقوم بمناقشة القيم الخاصة بك مع أسرتك وأصدقاؤك فسوف تفهم نفسك فهماً عميقًا..
(5) كن دائم الثقة في نفسك: اعتمد على نفسك وكن واثقاً فيها..
(6) تذكر أهمية أفعالك.
(7) تخلص من المعوقات الروحية..
(8) اتخذ قدوة
(9) استخدام العبارات المحفزة للروح..
اضافةتعليق
التعليقات