مابين الصيحة والكتمان، رفض حُكم عليه بالإعدام .. ودوامة رفض بين سجين وسجّان، إمام تغتاله أسنة رماح الجهل الانساني، الفاقدة لأهلية التصرف الناضج، تبخرت منه النوعية، وأكذوبة تحوم كرسيه العقيم، مضطرب لا يعرف طريقا للاحسان وتاهت المرونة منه في خبر كان.
فلو عرف الانسان معنى ذلك، لاتسع أفق الكلمات وتناثرت المعاني وتطورت السمات .
السلام على المغيب في قعر السجون وظلم المطامير .. السلام على صاحب السجدة الطويلة.. السلام على راهب آل أبي طالب..
لأن السجدة هي الغيب، هي الأفول في ذات الله هي التضرع المطلق لله عند كل شدة ..
من نوع الحقيقة، ووجدها المرابط للواقع، نرافق الأثير ونجوب أروقته المعبدة بالأحداث، لترقى الأفئدة من سعادته وحزنه خمائل هادئة للروح، وهمة للنبض، وسناء للعلوم المتيقظة، ولكي تبكي المآقي أنوارا واقدة، كان على النضج أن يلهم الواقع بعض قناديل من رؤى بعيدا عن القضبان.
في معترك هذه الحياة ، بوجهيها القاصي والداني تعيش الفكرة خندق أهل العلم وصدور المعرفة، وفي أزقة التأريخ المتدرج بعنوان كتاب ، لتذوب السلاسل وتفك عنها أصر الاشتباه والظنون، وتغذي الفؤاد الساجد فيها أفواج من الوضوح .
هنا تتوخى المسافة أن تخطأ الهدف ، لأن التأريخ يتوجع وفي نفسه أنة أصرار انسجم غياثها مع الكلمة لاثبات رقمها بمصداقية تامة ..
وبالتأكيد ، ليس سهلا تحقيقه دون اتقاء الضرر والمواجهة على صعيد النفس والمال لأن اليد وكل الجوارح فيها قد أدمتها محابر الظلم، وسلبت منها راحتها وقلمها، واسكنتها حفرا مبثوثة يضيق فيها الوجود، وتزدلف أعماقها ظلمة خانقة يجف فيها الرحيق، لا ماء يروي، ولا خبز يرضي، و مناطق السجدة قد بكت على عابد النفس الطويل والسجود والعويل والدعاء على أهل الغدر الدفين، والسلاسل تعانق الحرية بوجع ذائب، وثقل الحديد يراهن على قتل الزكاة في محراب العابد ..
الامام موسى بن جعفر ، الكاظم في كل خطوة ، القابض على فجوة الهوة ، والمتوارث الاصيل، يصارع الوجوه المكفهرة الداعية لفساد الأرض ومن فيها وكبح عصب التخلف ودسها سما لاتصحوا منه ابدا .
الامام الكاظم (صلوات الله عليه) ، يرسم خطة النجاة ويعطي العلاج، وفق شيفرة الفكر والقلم والدعاء، ولسان الصدق الذي يودعون، يبادر إلى اتخاذ مهامه بحذر واستيقاظ ، فزرع الكلمة الهادفة في ارض الدعاء، وخصّبها بأسلوب العفو والحكمة، وغلفها بالادب الفاخر، يكلم الروح بصيغة أنك أنت المعنى، ويلامس شفافية النفس، فيجعل المحاجر تبكي لتقصيرها وهو بذلك يعلمها معنى الرهبة والرغبة، ومجاهرة الرد على كل شيطان رجيم ، انسيا كان أو جنيا. وعزز فيه المناداة لطلب المغفرة، وجعل الصبغة مأساويةٌ بكّاء فكان البكاء حليف الطلب، على كل خطيئة يعترف بها في حضرة التضرع وزاد المعاد .. لأن المؤمن لازال في حرب مع ابليس الغوي، حين تكبر على الله ولم يسجد كما أمره الله سبحانه، ولازالت المواجهة مستمرة بين الحق والباطل ، بين التوحيد والشرك ، بين القناعه والتذمر ، وبين كل المفردات على الصعيد الإيماني العقائدي والتي تمثلت في شخص الائمة (عليهم السلام) على مدار الحياة .
شرّع الامام أعمدة المواجهة كسلسلة تقيد نظر الظالم وتكبل يداه وتهدم عماده الواهية ، فكان الابداع منه محل دهشة واقية لكل من تبعه الى يومنا هذا .
وبذلك هو يحفز الصدور المتعبة ، ويعلن بصرخة الكلمة ؛ "ليكن في علم العباد ، أن الظالم يمتعض من الدعاء لأنه يعلم أن فيه نهايته ، فأسجدي وتذللي ايها الجباه ، وأبكي وأصرخي وارفعي أكف الدعاء ".
هنا مكمن البصيرة ، أن لا شيئ محقق الا بالدعاء والمبالغة فيه ، ولاحاجة محققة الا برقة الدعاء والتضرع فيه ..الرابط الوحداني ، بين الدمعة وعموم المواجهة يمنح مرونة في التعامل وقبول الطرف الآخر ولكن لا على حساب المبدأ والدين ..
أن يكون للرفض ابتداء الخطوة بإسم الله والسجود له ، وان الوسيلة إليه هو الطاعة المطلقة لله وحده أي ان الأصول لابد وأن تكون من أولويات الحياة حتى في أحلك الظروف وأصعب المواقف، لأن التوحيد بابه الذي منه يؤتى .
فالامام هو زعيم الكلمة، يأمرها حيث ماطاب المعنى فيها، وقد بنى لها بيتا مختلف الردائف فكرا ومنهجا ذو طابع تفرد به امامنا الهمام حتى جمع الأسلوب مع الفكرة وأعطاه بصمة غاضبة وثورة أحكمتها جدران الصمت بصيغة الرفض على مداه في التأريخ، يتجدد على مدار الأجيال وفي كل زمن .
نعم هو كذلك، فمعجم الظروف كلها سُيّرت لتلبية منهجه القويم، والذي ابتدأ بالرفض وانتهى بسلسال يلتف حول أعناق من يقف بوجه النور .
في محفل شهر رجب الاصب، تلبس الحكمة نقابها وتزدهر بالعفاف، وتعانق الآيات البينات، لتضفي على روادها بركات هذا الشهر العظيم، ومما زاده شرفا وتقديسا، ذكر الأولياء فيه، واكتمال ثوابه بالبكاء على السادة النجباء والتواصل معهم فبهم النجاة ومنهم السداد حتى يكتمل النور ونتقمص ذلك الجلباب السماوي بفخر واعتزاز .
اضافةتعليق
التعليقات