لقد طوى الدهر فيما طواه حوادث وقضايا تاريخية عديدة، وأغرقت أمواجه العاتية أسباب ومسببات ما خفي عنّا وما لم يخفِ منها، ومع ذلك ولو انقطع عن أعيننا مرأى (حادثة الغدير) وعن آذاننا مسمع وصية النبي (ص): من كنتُ مولاه، فعليٌ مولاه....، إلاّ أنها وصلتنا كما هي بلا رتوش رغم مساعي المنافقين والحاسدين والمغرضين الحثيثة في إخفاء أو تزوير ماحدث في تلك الظهيرة إلّا أن الحقيقة ظهرت وعلى ألسنتهم حتّى، و"يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
كيف نوصل رسالة الغدير الى العالم؟!
في التأريخ الاسلامي الكثير من النداءات والتوصيات التي تعتبر الحجر الأول والخطوة الأولى في كل طريق أخلاقي أو ثوري أو إصلاحي...، والبعض منها يعتبر قضية نعيش من أجلها ومن أجل إيصال مضامينها وقيمها، وتنوّعت الأساليب في تلك النداءات بين الأمر والاستحباب والتشجيع أو حتى الاستنكار، وكلّ تلك النداءات جوهرية وتحمل في طياتها قيم ولذلك صداها لايزال الى الآن، فالإمام الحسين (ع) نادى في عصر عاشوراء: ألا من ناصرٍ ينصرنا؟! والإمام الصادق نادى بشيعته: أحيو أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا، وقبل ذلك بأعوام عديدة نادى رسول الإنسانية بأمر من العلي الأعلى لكل الناس في يوم وعيد عظيم: اللهم والي من والاه وعادي من عاداه.. ولو تمسّكت الأمة بما أوصى عليه (ص) لما شهدنا من المآسي والحروب ما يندى لها جبين الانسانية.
وقد يقول قائل: إننا ذهبنا مسرعين، وأجبنا بلاغ الرسول مسرورين وبايعنا الأمير في ذكرى الغدير التي عشناها قبل أيام في الوقت الذي أنكر أبناء أولئك القوم هذا النداء الالهي الذي جرى على لسان خاتم الرسل والرسالات، وهذه بالطبع نعمة ليس بعدها نعمة وهي نعمة الولاية والثبات والتي عدّها الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري كنزه الثمين في هذه الدنيا الفانية وذلك عندما زاره أحدهم في بيته المتواضع وأشفق عليه وقال له كم هو فقير، فردّ عليه بكل فخر: أنا أغنى الناس، وعندما استغرب الرجل، قال له (رضوان الله عليه) أنّ ولايته لأمير المؤمنين تغنيه عن كل مال.
إلأّ اننا أمام مهمّة لم تنته بعد، فرسول الله (ص) يكمل خطبته الغديرية بكلمات مفصلية وهي:
فليبلغ الشاهد الغائب..
وهذه مسؤوليتنا جميعاً وهو عمل صعب وسهل في نفس الوقت، فهو صعب لأن أي قضية تريد إخبار أو إقناع الاخر بها تحتاج الى مؤهلات نفسية ومعلومات موّثقة وثقافة واسعة وأسلوب رصين ومال ووسائل وغيرها، وأما السهولة في هذا الموضوع تتلخص أهمها في نقطتين:
1_ إنّ حديث الغدير نقطة قوّة لصالحنا، فهو يعتبر من أوثق الأحاديث المتواترة، والكثير من الفضل يعود الى أعلام الشيعة وعلى رأسهم: الشيخ الأميني وموسوعته الخالدة: الغدير، حيث تعب وكد وأفنى نصف عمره في سبيل هذا الانجاز، وهي موسوعة فيها إجابات شافية لكل شبهة أو اشكال يثار في هذا الحديث، هذا مايختص بالمادة وأما الوسيلة فهي..
2_ الاعلام الجديد والتكنولوجيا الذكية والتي مهدّت لنا الطريق الصعب لإيصال رسالة وثقافة الغدير، وبما أن الاعلام معناه: الاخبار، فعلينا أن نخبر العالم كله بهذه الوسائل الحديثة التي أصبحت في متناول كل يد، أن نخبر ونبلّغ ونحن الذين شهدنا وشهد أباءانا تلك الخطبة والوصية، وبالطبع لن نستطيع ان نحمل الناس كلهم على مبايعة الأمير وإنكار ماحدث في السقيفة، فهذا مالم يقدر عليه الانبياء والرسل والله عزو وجل يقول في كتابه: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا..
ومهمتنا هي بسط الحقائق والاستجابة تعود لمن يريد أن يُعمل رأيه ويحكّم عقله ويعود الى فطرته السليمة، وإلاّ فإنه لابد أن يرفض البعض ما ندعو اليه، فعلي (صلوات الله عليه): لا يحبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق، و بذلك تتم الحجة عليهم، وماعلى الرسول إلا البلاغ المبين..
وبلا شك إن الاسلام سلسلة متماسكة الاجزاء إحدى أهم حلقاتها هي قضية الغدير، واذا كان العالم يرى الاسلام المشوّه الذي يقتل ويكفّر وينتهك الاعراض ويُخرّب البلاد، وهو ليس من الاسلام في شيئ فذلك لأن الكثير _وأكثرهم للحق كارهون_ قد ألغوا أو تجاوزوا تلك الحلقة التي هي عيد الغدير و إمامها الذي يمثّل العدل والصدق والحرية والانصاف...، فأبدلوها في سقيفتهم بحلقات الظلم والكذب والتكفير والتعذيب وكانت النتيجة الوهابية والارهاب وداعش.
وبين الحق والباطل أربع أصابع كما يقول أمير المؤمنين (ع)، وبين الاسلام المحوّر والاسلام الصحيح أربع أصابع أيضا، وكذلك بين الاعلام المزوّر والمُضلل الذي ينقل قيم ومبادئ السقيفة وبين الاعلام العلوي و الذي يجب أن تُنشر رسالته بتعريف الناس بتلك الشخصية العظيمة (التي لاتعذّب ولا تظلم حتى أبقت من وعاء اللبن شيئا لقاتلها _ابن ملجم_ بل قال (ع): إن أنا عشت فأنا أولى بعفوه..)، ومن ثم التعريف بحادثة الغدير وإيصالها لأولئك الذين سمعوا من آبائهم ومشايخهم وملوكهم بأن علي هو الخليفة الرابع، ولم يكلّفوا أنفسهم عناء النظر الى التاريخ الذي ضمّ بين صفحاته البيضاء والصفراء تنصيب ابن عم رسول الله فكان الامام والوصي والخليفة الأول بعد الرسول (ص).
اضافةتعليق
التعليقات