يقول انطوان بارا / روائي وإعلامي سوري: لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين.
ويقول توماس ماساريك/ السياسي والفيلسوف: على الرغم من أن القساوسة لدينا يؤثرون على مشاعر الناس عبر ذكر مصائب المسيح، إلا أنك لا تجد لدى أتباع المسيح ذلك الحماس والانفعال الذي تجده لدى أتباع الحسين لا تمثل إلا قشة أمام طود عظيم.
قبل ما يقارب 1400 عام في ساعات الظهيرة؛ وقعت واقعة معينة؛ قُتل فيها رجل ومعه أهل بيته وذويه.. في سبعين ونيّف مقابل ثلاثون ألف أو أكثر، فقُتل ومُثِّلَ به وسِيق حرمه سبايا من العراق إلى الشام.. الى أن أعيدوا الى المدينة .
هذا اختصار تراجيدي لنضعه على أيّ قالب، وهنا لا نتكلم عن شخصية معيّنة.. ولننظر هل يعقل أن يبقى تأثيرها كل هذه السنوات؟!
هل ستبقى الأمة مجنونة فيه الى حدٍّ أنّه إذا حلّت أيّامه وكأنه قد أصيب البارحة!!، نعم.. إنه الحسين بن علي (عليه السلام) سبط الرسول محمد (صلى الله عليه وآله).. قد يتساءل المخالفين لما كل هذا الحزن على هذا الشخص؟!.
حزن الرسول الأعظم على سبطه الحسين (عليه السلام)
قال الله تعالى في الحديث القدسي لرسوله الكريم (صلى الله عليه وآله):
“ يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك..“ (١).
فعندما يكون رسول الله محمد (ص) إذ هو سيّد البشرية؛ ومن به نوِّرنا.. فالذي هو خير الخلق قاطبة وكلّ مافي الوجود من العرش الى الفرش..! كلّه بشسع نعله (ص).. والذي لأجله خلق الورى
فيأتي هذا العظيم ويبكي على سبطه الحسين يوم يولد.. يبكيه قبل أن يفجع به!؛ قبل أن يقتل.. يبكيه وهو طفل صغير.. في الحديث المشهور الذي صح عند المخالفين .
عن أم سلمة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم في بيتي، فقال لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي فقلت والله ما علمت حين دخل فقال إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت فقال تحبه قلت أما من الدنيا فنعم قال إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلا فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أحيط بحسين حين قتل قال ما اسم هذه الأرض قالوا كربلاء قال صدق الله ورسوله أر ض كرب وبلاء (٢).
فالنبي (صلى الله عليه وآله) ليس شخصا عادياً تأخذه العواطف العادية..! قال الله تعالى: “ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ.." (٣) فـالنبي (ص) كما قال الله جلّ وعلا في حقه: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ“ (٤).
- روي الشيخ القندوزي الحنفي عن: مقتل الحسين عليه السلام لأبي محنف أنّه كتب: ثمّ إنّ ابن زياد دعا الشمر اللعين وخولّى وشِبَث بن رِبْعي وعمر بن سعد، وضمّ إليهم ألف فارس وأمرهم بأخذ السبايا والرؤوس إلى يزيد، وأمرهم أن يشهروهم في كلّ بلدة يدخلونها. فساروا على ساحل الفرات، فنزلوا على أوّل منزلٍ كان خراباً، فوضعوا الرأس الشريف المبارك المكرَّم، والسبايا مع الرأس الشريف، وإذا رأوا يداً خرجت من الحائط معها قلم يكتب بدم عبيط (أي طريّ) شعراً:
أترجو أمّةً قتَلَـت حسينـاً
شفاعةَ جَدِّه يومَ الحسابِ؟!
فلا واللهِ ليس لهـم شفيـعٌ
وهُم يومَ القيامةِ في العذابِ!
لقد قتلوا الحسينَ بِحُكم جَورٍ
وخالَفَ أمرُهم حُكمَ الكتابِ
فهربوا، ثمّ رجعوا، ثمّ رحلوا من ذلك المنزل، وإذا هاتفٌ يقول:
ماذا تقولون لو قـال النبـيُّ لكُـم :
مـاذا فعلتُـم وأنتـم آخِـرُ الأُمـمِ
بعترتـي وبأهلـي عنـد مُفتقَـدي
منهم أُسارى، ومنهم ضُرِّجوا بدمِ؟!
ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكُـم (٥).
- ووُجد مكتوبا على بعض جدران دير:
أترجو أُمة قتلت حسينا.... شفاعة جده يوم الحساب
فلما سألوا الراهب عن السطر ومن كَتَبه، قال: مكتوب ههنا من قبل أن يبعث نبيكم بخمسمائة عام (٦).
- لم تبكِ السماء إلا على اثنين: يحيى ابن زكريا، والحسين، وبكاء السماء: أن تحمر وتصير وردة كالدهان (٧).
لم يبق ممن قتل الحسين إلا عُوقب في الدنيا: إما بقتل، أو عمى، أو سواد الوجه، أو زوال الملك في مدة يسيرة (٨).
الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) يحيي القلب والجسم
إنّ الحزن على مصاب “أبي عبد الله الحسين”(عليه السلام) يختلف اختلافاً “عظيماً” عن سائر الأحزان الدنيّة الدنيويّة..
أي مثلاً عندما يستحوذ الحزن على الإنسان من أمر من أموره الشخصية، فتراه يكثر من أداء "لا شيء".
ينام كثيراً ويتكاسل عن أداء وظائفه وباقي أموره الروتينية اليومية، فيصاب بالخمول والكآبة لأن هذا الحزن قد خيّم عليه واستلمه من كل الجهات وملأ كيانه ووجوده بالطاقة السوداء السلبية .
لكن "الحزن على سبط الرسول (ص)" له طعم ومذاق آخر.. فالإنسان عندما يحزن على مصاب الحسين (عليه السلام) تصبح ردة الفعل لجسمه تختلف جذرياً..! والطاقة التي تسري في دمه تختلف تماماً..! فالهالة التي تحيط جسمه من هذا "الحزن"؛ هاله بيضاء من نور.. لأن مقدار الطاقة الإيجابية الموجودة في هذا الحزن عجيبة واستثنائية.. فترى لديه حماس ونشاط عجيبين لأي أمر يتعلق بالحسين (عليه السلام)..
روي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): “فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام“ (٩).
فلا يصاب الإنسان بالكسل ولا بالخمول ولا بالكآبة ولا باقي الأمور السلبية، لأنّ الذنوب هي التي تسبب الخمول والكآبة للإنسان المؤمن .
عن أبي عبدالله (عليه السلام): قال: “مَن أراد أن يكون في كَرامة الله يوم القيامة وفي شفاعة محمّد صلوات الله عليه وعلىُ آله، فليكن للحسين زائراً ينال مِن الله أفضل الكَرامة وحُسن الثَّواب، ولا يسأله عن ذنب عَمِله في حياته الدُّنيا ولو كانَتْ ذنوبه عدد رَملِ عالِج وجبال تِهامَة وزَبَد البحر، إنَّ الحسين بن عليٍّ عليهما السلام قُتِل مظلوماً مُضْطَهَداً نفسُه عَطشاناً هو وأهل بيته وأصحابه“ (١٠).
وننقل قصة ماحصل مع السيد البروجوردي (قدس سره)، نُقل أن السيد البروجردي جاء يوماً إلى مجلس درسه فبدأه بنعي الإمام الحسين (عليه السلام) بأبياتٍ شعرية على غير عادته فتعجب طلابه من هذا الأمر فرد على تساؤلاتهم عن السبب قائلاً أنه رأى في الليلة السابقة رؤيا بأن القيامة قامت والأئمة (عليهم السلام) يُدخلون الناس من أبواب الجنة وبدأ يبحث عن بابٍ يدخل منه إلا أن أمراً لفت نفسه إذ رأى الإمام الحسين (عليه السلام) يُدخل الناس من بابه بلا قيودٍ أو حدود و فجأة رأى صفاً طويلاً فقيل له أنه للإمام الصادق فقيه أهل البيت (عليهم السلام) وعندما تقدم ليرى سبب تأخير الحساب رأى الإمام يحاسب الشيخ المفيد على فتاواه.
قرر السيد البروجردي الدخول من باب الحسين (عليه السلام) لأنه أسرع، يقول السيد: عندما وصلتُ إلى باب الحسين (عليه السلام) قال لي: سيدنا أنتم العلماء تدخلون من باب الإمام الصادق فهو يحاسب العلماء. قلت: سيدي باب الصادق صعب الدخول منه وأنا أريد أن أدخل كما تدخل الناس من بابك فقال: يدخل من بابي خدامي في المجالس، السقائين للماء في مجالس التعزية، قرائين العزاء الذين يقيمون مجالس للعزاء والمحبين لشعائري، ثم استيقظتُ. وأنا أقول لكم: لا أريد الدخول من باب الإمام الصادق ولا أريد أن يحاسبني بل أريد أن أدخل الجنة بعنوان خادم الحسين قارئ عزاء و ليس عالماً.
ودأب السيد منذ ذلك اليوم على قراءة الشعر في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) قبل درس الخارج.
الجزع على الإمام الحسين (عليه السلام)
فله أنواع منها اللطم على الصدور ومنها البكاء بصوت عال ومنها التطبير وغيرها من أصناف الجزع..
عن أبي عبدالله (عليه السلام): “إنَّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلِّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام، فإنّه فيه مأجورٌ“ (١١).
إدماء الأنبياء (عليهم السلام)
روي أن آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حواء فصار يطوف الأرض في طلبها فمر بكربلاء فاغتم، وضاق صدره من غير سبب، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين، حتى سال الدم من رجله، فرفع رأسه إلى السماء وقال: “إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به؟ فإني طفت جميع الأرض، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض. فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً فسال دمك موافقة لدمه..”(١٢).
روي أن إبراهيم (ع) مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: “إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب، ولكن هنا يُقتل سبط خاتم الأنبياء، وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه.." (١٣).
حينما يكون لإسالة الدماء، مشاركة مع سيد الشهداء(عليه السلام) ذلك القدر من المرغوبية والعظمة عند الله تعالى إلى درجة قد جعل الله ذلك لأنبيائه، فهل يبقى محلاً للإعتراض على إسالة الدماء مواساة مع سيد الشهداء (عليه السلام)؟.
السيدة زينب (عليها السلام) والشعائر الحسينية
قد اهتمت السيدة زينب (عليها السلام) بالشعائر الحسينية أكبر اهتمام، فعلاً وقولاً وتقريراً فبكت، وأبكت، ولطمت وجهها، ونطحت رأسها بمقدّم المحمل حتى جرى الدم، وخطبت خطباً، وأنشأت أشعاراً، وعقدت مجالس العزاء والبكاء على الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) (١٤).
وهي التي قال عنها الإمام زين العابدين (عليه السّلام): “أنتِ بحمد الله عالِمةٌ غيرُ مُعلَّمة، فَهِمةٌ غيرُ مُفهَّمة“(١٥).
أي أنّ معلّمكِ هو ربّ العالمين، فأنتِ لست بحاجة إلى معلّم آخر، فإنّه تعالى أدّبكِ فأحسن تأديبك، وهذا توقيع لها من الإمام المعصوم على جميع أفعالها.. ونحن أسوتنا هم (سلام الله عليهم).
فالجزع مكروه إلّا على الحسين (عليه السلام).. فهو منقذنا يوم المحشر، وهو الرحمة الإلهية التي نزلت علينا وبحبه والحزن والجزع على مصابه تنهدم ذنوبنا العظيمة وتبقى سبباً ليكون شفيعنا في الآخرة .
يقول تشارلز ديكنز/ الروائي الإنجليزي: إن كان الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية، فإنني لا أدرك لماذا اصطحب معه الخوات والنساء والأطفال؟ إذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام.
فلولا تضحيات الإمام الحسين (عليه السلام) لَهُدِمَ الأسلام هدما.. وهذا ما أرادوه الأعداء، لكن إرادة الله شاءت أن تقع هكذا فاجعة عظيمة لتغيير مسرى البشرية، ولتكون بصمة عار على بني أمية أنّهم قتلوا إبن بنت نبيّهم ولم يرحموا النساء ولا حتى الأطفال الصغار..! فعرفوا النّاس من هم بني أمية..! ومن هم آل محمد..
قالت السيدة زينب (عليها السلام) في خطبتها ليزيد: “فَكِدْ كَيْدك، واسعَ سَعْيَك، وناصِب جُهدك، فوالله لا تمحو ذِكْرنا، ولا تميت وَحْينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها..“ (١٦).
اضافةتعليق
التعليقات