كثيراً ما يشعر الأشخاص بفترة قصيرة من الاكتئاب، وذلك بسبب بعض العوامل التي تؤدي إلى شعورهم بالاكتئاب، مثل الفشل أو تعرضهم لخسارة مادية أو معنوية أو بعض الأمور الشخصية ولكننا نلاحظ كثرة الكآبة في عصرنا الحالي، فباتت تزداد بشكل كبير وواضح.
وكما يعرف الأغلب أن الإكتئاب مرض نفسي له خصائص تشخيصية محددة وقد تعوق الإنسان عن أداء وظائفه وممارسة هواياته ومواصلة علاقاته الإجتماعية بالشكل الصحيح هذا إذا ما فشل فيها بسببب الكآبة الدائمة بالرغم من عدم وجود أيةَ مشكلة خاصة أو عامة في حياته، والأغرب من ذلك كله هو شكوى الأغلب من متاعب الحياة في زمننا الحاضر الذي تتوفر فيه شتى أساليب الراحة من السيارات الآمنة والمساكن المريحة التي يمكن التحكم في درجة حرارتها حسب رغبتنا إلى الافراط في التغذية إلى الهواتف الذكية إلى تطبيقات التوصيل من السوبرماركت إلى عدد لا متناهٍ من وسائل الراحة المتوفرة لدينا اليوم، حتى إنه يمكننا القول أننا بتنا نعيش في عصر الراحة التامة.
ففي العصر الحديث أصبح لكلٍّ منا ما يُعرف بمنطقة الراحة الخاصة به التي هي بمثابة شرنقته المخملية الخاصة التي ينعم فيها بالطمأنينة والأمان والرضا العقلي، مع وجود كافة متطلباته الشخصية. ومع ذلك ازداد بين الناس الشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب، وهذا مايثير الاستغراب، فحسب الإحصاءات التي قدَّمتها النشرة العلمية عبر الإنترنت التي تركِّز على المشكلات العالمية مثل الفقر والمرض والجوع وتغيُّر المناخ والاكتئاب، في بيان أكد أنه يعاني حالياً حوالي %3.4 من سكان العالم من الاكتئاب بينما يشكو %3.8 منهم من اضطراب القلق.
تأكيداً على ذلك لاحظ مؤسس علم النفس التحليلي في القرن العشرين كارل يونغ، أن حوالي ثُلث الحالات التي عاينها في حياته، على الرغم من أنها لم تكن تعاني من أي اضطراب عصبي يمكن تحديده من الناحية السريرية الأكلينيكية، ولكنها كانت تشكو من عبثية وعدم وجود هدف ومعنى لحياتها، سيقول البعض أن المعيشة لم تكن بهذه السهولة يوما إنما تزداد صعوبة يوما بعد يوم لكثرة الطلبات في عصرنا الحالي وغلاء الأسعار، نحن نتحدث بشكل متقن واحصائية دقيقة، فقد يؤكد لنا أنه كلما كانت المعيشة أسهل على الفرد كلما ازدادت كآبته.
السؤال الذي يثار هنا هو: لماذا نشعر بهذه الطريقة في عصر تسوده أعلى مستويات المعيشة في التاريخ ويتميز بسهولة الوصول إلى تلبية احتياجاتنا المادية ومن جميع النواحي؟
لماذا نشعر بالاكتئاب في عالم مليء بالاحتمالات التي لا نهاية لها؟
لماذا نشكو من الوحدة في الوقت الذي لم نكن أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين في أي زمن آخر؟
لماذا بات الغضب والقلق والتوتر والشعور بالمرارة والفراغ مع وجود كل هذه الإمكانات من حولنا أمر معتاد؟
أسئلة كثيرة يطرحها الانسان على نفسه دون وجود اجابة مقنعة، الاجابة التي قد تقنع الأغلب لأنها الأصح هي أن وسائل الراحة المتوفرة لدينا قد أقنعتنا بالكذبة الكبيرة أن المكانة الاجتماعية هي الأهم وأن المنازل الكبيرة والسيارات باهظة الثمن والملابس الفاخرة والرحلات البعيدة ومشاركة حياتنا مع الناس هي السبيل إلى السعادة، وربما لأن كل الوسائل التكنولوجية المتوفرة لدينا التي نربطها بالراحة وتسهيل الأعمال قد أفقدتنا الاتصال بالطبيعة ونصبت أمامنا جداراً يفصلنا عن الأبعاد الأعمق لتجربتنا الإنسانية والذاتية، فقد خلق الله الانسان ليكتشف وليجد ويجتهد، كما أنه خلق الطبيعة ليتمتع بها الانسان ويتأمل بها ليشعر بوجوده كإنسان له قيمته وكيانه واعتباره ناهيك عن التأثيرات التي تحدثها الطبيعة على أرواحنا ومعالجة أغلب الأمراض النفسية بدواخلنا.
ولكن بوجود الأجهزة الذكية بات الأغلب ينظر إلى طبيعة الخالق من خلال الشاشة بعد أن فقدت الطبيعة قيمتها وتأثيرها الحقيقي على نفسية الانسان، حتى بات الأغلب يسأل نفسه
هل لأنني انسان فارغ من جانب المسؤوليات؟
هل لأنني أركز على السلبيات في حياتي أكثر من الإيجابيات؟
أم لأن الحياة هي السبب وباتت مملة ولا تطاق فسببت لي الكآبة؟
هل الروتين هو السبب؟ أم ماذا؟
الكثير من الأسئلة تثار بداخل الفرد نفسه بوجود كل مستلزمات الراحة وعدم توفرها هي بالأساس، حتى يصل البعض لاختلاق مشكلة معينة لايعاز السبب لها، غير دارك السبب الأساسي الذي جعل منه انسانا مكتئبا.
ولله الحمد الكثير من الأفراد لا يحتملون هذه الوضعية فيلجأ الكثير لسماع بعض المحاضرات ومتابعة بعض البرامج التي تخص هذا الأمر للتخلص من الاكتآب أو علاجه.
كما أننا مجهزون أيضاً بحافز داخلي آخر للخروج من حالة الراحة الافتراضية هذه المتمثل برفضنا "للتعود"، فنحن كبشر نسأم من التكرار والعيش بنفس الروتين اليومي، فنسعى إلى تغيير كيفية قيامنا بما نقوم به لمنع الملل. وبذلك تضمن لنا الطبيعة البشرية ما نتسلح به لتجنب الوقوع في أزمة نفسية.
بينما يلجأ البعض إلى السفر والخروج إلى مطاعم فاخرة أو التسوق مثلا للخروج من الكآبة بشكل وقتي وآني وهذا علاج لا فائدة منه ولكنه أفضل من الجلوس والاستسلام لهذه الأزمة النفسية الخطيرة، ولكننا هنا بحاجة إلى علاج تام، قد تختلف تركيبة انسان عن آخر لذلك قد لايستقبل أحد العلاج بينما الآخر يستفيد منه ويتخلص من مرضه بشكل جيد، بينما في قضية علاج الكآبة العلاج واحد والنتيجة واحدة.
إذا حاول الانسان ادراك قضية الكآبة وقرر التخلص والخروج منها لابد عليه أن ينسلخ من عالم المادايات الذي ذكرناه والعيش بطبيعة أكثر والعودة إلى الفطرة السليمة والتفكير الايجابي والنظر للحياة بعين أخرى، اضافة إلى الرجوع الى الله والعبادة إذا كان الانسان يشعر تجاه هذا الجزء الأساسي في حياة كل انسان بالتقصير، إذا أتقن الإنسان هذه الأمور وراجعها ستكون الكآبة من الأمور المنسية في حياته.
قالو في الكآبة
_ يبدأ الاكتئاب مع خيبة الأمل، وعندما تعيش خيبة الأمل في نفوسنا فإنها تقود للإحباط. “جوبس زائر”.
_ إن المرور بتجربة الاكتئاب والخروج منها يكسب الإنسان وعياً جديداً ويتغير بداخله ويتطهر. عادل صادق
_ مع العسر يسران هون عليك
فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب
فكم ضقت ذرعاً بما هبته
فلم ير من ذاك قدر يهاب. الشافعي.
اضافةتعليق
التعليقات