من عالم التجارة والثراء إلى عالم معدم، رحلة حب خاضتها أم علي في سبيل الوصول إلى الطريق الأمثل.
نقطة الانطلاق كانت في الصداقة التي جمعتها بامرأة استطاعت أن تخلق في داخلها تلك الطمأنينة التي جعلتها تحلق في عالم الايمان والشعور بالراحة فأشعلت نار الفضول داخلها، راحت تبحث لتجد ضالتها، يوما بعد يوم اخذت بذور الايمان بالنضج بين ثنايا روحها لتظهر واضحة في أعمالها، لتتوسع دائرة تأثير أم علي على منزلها فأصبحوا جميع عائلتها معها.
فعندما قررت أن تسلك طريق النور أخذت المصائب تترى عليها وحدة تلو الأخرى ابتداءاً من الهجوم على دارها وتحطيم ممتلكاتها وضرب ابنها على أم رأسه ليذهب بنظر احدى العينين واحدى الأذنين لأن ضربته كانت قاسية جداً، ومع اشتداد تأزم حالته الصحية بقي طريح الفراش ليمضي آخر أيامه مع أهله فلم تسعفه أنفاسه أن يمكث طويلا.
فلما انقضى اسبوع حل الوداع عليه وابتدأت مأساة أم علي بالفقد، لم تكمل الثلاثون يوماً قمرها حتى اختنق ابو علي بغصة على ولده الشاب الذي ذهب ضحيةً بين يدي مجرمين لا يعرفون وجه الايمان ولا يمت دينهم للدين بصلة، هنا اصبحت أم علي فقيدة الزوج والابن لم يساندها احد حتى اهل زوجها طردوها من دارهم فلم يتقبلوا النور الذي اصبحت عليه ونعتوها بالعاق المنجسة لدارهم ورموا بها مع بناتها الأربعة في الشارع.
هنا كان المعين الوحيد لها صديقتها التي تعمل فتحصل على طعام يسد رمق أطفالها اخذتها في منطقة بعيدة عن مكانها واسكنتها في تلك الخيمة الصغيرة التي لا تكاد تسترها مع بناتها اللاتي اصبحن لا كافل ولا معين، حتى أسبلت أجفانها من شدة النعاس بعد عناء نهار طويل واذا بصوت يقطع لحظات غفوتها: ام علي.. ام علي لما انتِ في هذا المكان الذي لا يليق بك هيا لمكان يحتضن بناتك ويجعل منك صاحبة له فأنتِ ام لبنات وانا ام البنين، هكذا استطاعت ام علي بصدق ايمانها أن تكون قريبة من اهل البيت ليختار لها مكان من قبلهم..
وفي حوار لها مع موقع (بشرى حياة) كانت قد سردت لنا حكايتها افتتحتها بالإجابة على السؤال التالي:
_كيف اصبحت لديكم القناعة الكاملة لتغير مجرى حياتكم لطريق اهل البيت والانتهاج بنهجهم؟
بداية كانت لدي صديقة؛ دكتورة عراقية وكنت أتردد اليها بين فترة واُخرى، ولأني كنت منشغلة في عملي حيث كنت أعمل في احدى الجمعيات التابعة للمذهب الآخر ومتى ما واتتني فرصة اذهب لصديقتي التي كانت تكلمني عن أهل البيت"عليهم السلام" وكنت استأنس في حديثها واشعر بأطمئنان في داخلي، ذلك كان سببا كافياً لأن يجعلني اقف عند هذه النقطة وأعيد النظر في انتمائي لمذهب أهل البيت.
وبعدها تغير عملي واصبحت اعمل في التجارة وأسافر الى بلدان كثيرة وأجلب بضاعة من هناك وأبيعها في السودان ومن هذه البلدان دبي واوربا والكثير من الدول، وفي يوم من الايام كنت نائمة فجائتني الرؤيا ان اذهب الى ايران فحزمت أمتعتي وذهبت الى ايران اعترضت امي وقالت ما الذي تجلبيه من ايران فقلت لها فقط اريد ان اذهب ورحت أتممت اجراءات السفر وعند وصولي في طريق طهران الى مشهد سرقت مني جميع ممتلكاتي التي كانت بحوزتي. هنا وجدت إمرأة عربية سالتها قالت انها من الكويت وأخبرتها انني جئت ازور الامام الرضا اين اذهب فقالت لي وصلتِ تعالي معي وذهبت معها عند وصولي الى المرقد قالو لي ضعي حقيبتك في الأمانات وعودي الى الحرم وأثناء عودتي الى الصحن اشعر بان احد يمسك بيدي وياخذني نحو الضريح ، وكان هناك ازدحام وصادفت زيارتي في شهر رمضان وفجأة ظهرت أمرأة امامي تقول لي أعطني يدك وتتكلم اللغة السودانية فأخذتني واوصلتني الى الصحن فزرت وتبركت وبعدها مدت يدها في داخل الضريح وأخرجت منه ثلاث ورقات وقالت لي اشتري لكِ عشاء فهممت بسؤالها من انت؟ وكيف ساعدتني هكذا؟ عندما رفعت رأسي لم اجدها.
عدت الى السودان وبعد ايام صادف مولد السيدة الزهراء "عليها السلام" وكانت واحدة من الأخوات مصطحبة أقاربها من مذهب اهل العامة لا يعلم احد بحضورها بعد فترة وجيزة، علمت السلطات بأمر تشيعي فهجموا على بيتي وحرقوه وضربوا ولدي وفقد عينه وسمعه واصبح مصاباً وقد توفى بعد عدة أيام وقد حزن والده على فقده وكان مريضاً بالسكر فلم يصبر من ألم الفقد توفى بعد مرور شهر وتشردت أنا وبناتي.
وبعدها تبرأ مني أخوالي وأهلي فلم أعد امتلك أحد واخذوا أمي معهم وأنا اخذت بناتي ورحت مع صديقتي التي كانت تعمل معي سابقاً، آوتني في بيتها، بعدها جاءتني في الرؤيا امرأة هي ذاتها التي ساعدتني في حضرة الامام الرضا "عليه السلام" فنادتني استيقظي ام علي فإن ذاك هو بيت لكم، فسألتها من تكونين فقالت: أنا أم البنين وانت أم البنات، وهذا مكان لك انت وبناتك، فنهضت من منامي وذهبت إلى المكان واعدت ترتيبه وجعلت الطيب في أركانه وأصبح مكان لذكر أهل البيت عليهم السلام واليوم قد أصبح حسينية أقيم فيها مجالس الفرح والحزن على أهل بيت النبوة.
_بعدها وجهنا سؤال هل هناك من استبصر على يدك؟
فأجابت أم علي؛ نعم كان اخي من اكبر الوهابيين في السودان وكان له ولدين صادف زواج اختي وعندما ذهبت هناك ورآني ضربني لأنه كان يعتبرني ملحدة ومشركة سكت ولم انطق بحرف واحد بعد أربعة ايام اتت زوجته وبناته الاثنين إلى بيتي وقالو نحن بعدما ضربك والدنا رحنا نبحث على الانترنت ورأيناك على حق ونريد أن نستبصر على يديك.
_وهل لمست آثار كرامة اهل لبيت عليهم السلام في حياتك؟
كانت امرأة سورية مقيمة في السودان زوجها متوفي وكانت حامل ولديها ابنة ذات ثلاث سنوات اسمها رقية، ظهرت لها آلام الولادة فأخذتها إلى المستشفى وعندما سأل الطبيب من والدهم قلت له أخي وهو الآن غير موجود وأن المرأة لديها فقر دم حاد واحتمال أن تموت عند الولادة وبعد ساعات ولدت ثلاث توائم ولدين وبنت فأخذتهم واسميتهم الحسن والحسين وزينب وأخذتهم إلى بيتي وربيتهم مع بناتي فصار لدي ٨ أيتام.
_كيف استطعت الوصول إلى كربلاء وأنت بوضع لا يسمح لك بذلك؟!
وضعي المادي سيء لكن كان لدينا عزاء للإمام الحسين "عليه لسلام " وكنت عائدة من مكان العزاء لأننا نقيمه في مكان خارج عن مدينتنا كي لا تستطيع السلطات الوصول إلينا، وكان بيدي أغراض الطبخ ولما نزلت من السيارة رأيت قرب البيت اكياس المهملات فعندما أتممت معاملتي مع السائق عدت إلى اغراضي فراح نظري على أحد الأكياس وكان فيها حقيبة فأعجبتني، اخذتها إلى ابنتي كي تلعب بها، عندما استيقظت في الصباح عارضتني والدتي وقالت هل انت مجنونة تأخذين من الحاوية لطفلتك؟ لم استمع لها وأخذتها إلى ابنتي وعندما فتحتها وجدت فيها ذهب ومجوهرات، وعند خروجي إلى الشارع رأيت الجيران يتكلمون أن لديهم أغراض مفقودة.
لان خادمتهم كانت تفكر أن تأخذ جميع ما يملكون من ذهب ومجوهرات وترمي بهم في كيس المهملات لتأخذهم عندما تخرج وتهرب بها.
وعندما سمعت ذلك اتيت بالحقيبة وأعطيتهم اياها، فقال لي جاري اطلبي مني ما شئت، فقلت من غير شعور أريد الذهاب إلى العراق، فقال كم تكلف رحلتك إلى العراق هذه تكاليف السفر، تعجبت أمي من طلبي وقالت كيف تذهبين إلى العراق ونحن نعيش في بيت سقفه لا يظلنا من حرارة الشمس ولا يحمينا من غزارة المطر.
والأيتام يحتاجون حليب ومصروف فخذي الأموال لنستفيد منها، قلت لا أريد شيئاً غير الذهاب إلى العراق والحمد لله أتيت وتشرفت بزيارة أبي الأحرار عليه السلام.
_من بعد الانتقالة التي مررت بها هل ندمتِ على دخولك في عالم التشيع ورؤية المصاعب التي جعلت من حياتكم مأساة؟!
أبدا لم أندم بالعكس وأسال الله أن يجعلنا من الثابتين على ولاية أمير المؤمنين "عليه السلام " إن شاء الله.
_ما هو عدد المستبصرين في السودان؟
الحمد لله ٦٥ فرداً من الذين استبصروا وأغلبهم كانوا مثقفين منهم حقوقيين وأطباء ومهندسين ومن الطبقات راقية الحمد لله.
_من أي نقطة تجعلون الانسان يؤمن بمذهب أهل البيت "عليهم السلام"؟
الانطلاقة لم تكن من نقطة معينة لأن هناك ايمان في ظلم أهل البيت ولدينا مثل في السودان عندما يظلم الانسان يقولون "هذا ظلم الحسن والحسين".
_ماهي رسالتكم إلى النساء؟
بداية رسالتي أوجهها إلى نساء الشيعة في العراق أن يحافظوا على هذه النعمة كونهم جوار أمير المؤمنين عليه السلام ويغتنموا فرصة حرية الدين ليتعلموا وينشروه.
أما رسالتي إلى نساء العرب فأدعوا من يخاف زيارة العراق فليأتي فإنها الجنة وليتنعموا بروضة أبي عبد الله وكرم خدامه.
اضافةتعليق
التعليقات