راودني هذا الموضوعُ كثيراً وترددتُ في كتابتهِ لولا وقوعي في شباكهِ وهو شعار (حرية شخصية) التي قيدتْ فكرنا وخلطت علينا أموراً كثيرة حتى بات هذا الشعار مسموماً وأشبه بمرضٍ عضال يكتمُ أفواهنا لرصدِ ما نراهُ اليوم من أفعالٍ أوشكت على أن تكون أفعالاً صائبة لكثرة مقترفيها وقلة معارضيها حتى ظن مقترفوها أن الحق معهم.
ومن جملةِ ما أودُ الكتابةَ عنه هو عن بعض الأشخاصِ كأجلكم الله (شاربَ الخمرِ والإلحاد المنتشر بكثرة و ظاهرة الشذوذ) وإن أيّ شخصٍ يحاول معارضتهم أو السعي في محاربة أفكارهم يبدأ معظمُ الناسِ من العامة المحفزة لهم والمساندة الذين يظنون أن هؤلاء يفعلون أمراً لم يستطع أحدٌ فعله بشكلٍ إيجابي وكأنهُ حقٌ مشروع ومفترض تحت مبررات وأعذارٍ واهية جداً واقتبس منها: (بدلاً من محاسبة السارق توجهتم لهؤلاء؟، لا شأن لكم بهم، ما لم يؤذِ أحداً اتركوه فهذه حرية شخصية، ما دامَ لم يسىء لكم اتركوه... الخ)، من الكلام السطحي والتفكير القاصر..
وفي حالة أخذنا برأيهم والسكوت عما يحدث ألا يجدر بنا أن نفكر ولو قليلاً ماذا لو أن هذا النوع من الأشخاص لم يسيء لنا نحن بل أساء إلى أقرب الناس له، زوجته، أطفاله، أولاده.. من يعرف سوء الخمر يعرفُ حتماً لماذا سميَّ بأم الكبائر وكلنا نعرف عواقب شربهِ من حيثِ حجب العقل عن التفكير فيصبح إدراكه في اللاوعي فهو سيكون مستعداً لأن يرتكب أي شيء، يسرق، يقتل، يغتصب.. حرفياً أيُّ شيء، فهو في عالمٍ غير مدركٍ له.
فلو رب الأسرة أو الأخ يشربه يا تُرى حالُ البيت كيف سيكون وضعه؟.. ولتقريب الصورة أكثر لو فرضنا أبي أو أخي أو زوجي يشربُ الخمر ودائماً ما يضربني ويعنفني ويعنف بقية أفراد عائلتي وإن أردتُ أن أشكو عنه أرى هذا الشعار المتداول (عوفوه بحالة هذه حرية شخصية).. لو اتخذوا طريق الإلحاد كيف ستكون علاقتي بهم بعد أن سقطت عنهم الحجة الإلهية فالملحد لا يؤمن بفكرةِ وجود إله فكيف سيؤمن بقانون الحلال والحرام!، هل سيتعاملون معي على أساس ما تعلموه من الدروس الأخلاقية أم ماذا؟.. ولو (والعياذ بالله) الابن أو البنت بدأ عندهم الميول الشاذ كيف سيكون موقف أهلهم حين يعرفون بأن ابنه أو ابنته ميولهما لنفس جنسهما فإلى ماذا سيؤول هذا الأمر في ظلِ كل هذا التشجيع؟ حتماً ستظهر مثل هذه العلاقات للعلن ولن يكون بعدها هناك رأي صارم من قِبل الأهل طالما المجتمع يشجع لمثل هذا الفعل بل ويحارب لأجل هذه الظاهرة المريضة.
والأهم من هذا ماذا لو تزايد العدد جيلاً بعد جيل؟ قطعاً ولا أبالغ لو قلتُ ستنقرض البشرية نظراً للتحريض على هذا الفعل الذي يعتبر انتهاك للطبيعة بكل جوانبها ومسمياتها. هذا أمرٌ يدمرُ الفكر وليس بشيءٍ هين ليتم الترويج والتشجيع له.
هناك أناسٌ تتألم وتتوجع وتعاني ونحن في جهلٍ عنها. هذه النوعية من الذين ذكرتهم في حالة لم يكن أذاها على الجميع فهي سبب بلاء على أقربِ الناسِ لهم وأنا أعتقد ولا أجزم لو كان الضرر عام وليس خاص لحاربناهم ومنعنا هذا الأمر بشتى الطرق لكن طالما المصيبة ليست مصيبتنا فهي ستكون هينة ولن نشعر بمعاناة صاحبها وعلى الذين من حوله. ومن يدري ربما هكذا نوع من الأشخاص غير مقتنع بنفسهِ ومتألم من ذاتهِ وحاله، يريدُ فقط أحداً يقف معه ويشجعه حتى يبتعد، لكن حين يرى بأن غالبية الناس في غنى عنه بل ومشجعة لمثل هكذا أفعال فهو حتماً سيبقى بل ويصر على ما يُقدم عليه لأنه لو فكر في معالجةِ نفسه من يدري ربما سيواجه سخرية المحيط وبالتالي يظنُ حقاً أنه يمارس حريته وحقه.
فالرسالة التي أودُ تقديمها هي وقد لا أقدم من خلالها حلاً لكن عسى أن تكونَ اشارة تنبيه سيما ونحن في مجتمعٍ يصدرُ أحكامٍ فقط: أولاً توفير هيئات اجتماعية تحوي متخصصين في الأمور الاجتماعية والعلمية والنفسية ليتسنى لهم المعالجة أو ارضاء ذاتهم من خلال الحصول على الأجوبة التي تدين بدناءة فعلهم أو ليتسنى لكل من يعاني من إدمان فرد من أفراد أسرته الإبلاغ عنه كي يخضع للتأهيل الذاتي الذي يصحح مساره.
أما الجانب الثاني هو رسالة عامة مفداها قبلَ أن نقف بصفِ أيِّ تصرفٍ نراه، يجب أن نفكر، يا ترى هذا الأمر فعلاً لا يؤذي أحد؟ أم أنه لا يؤذيني أنا شخصياً؟! هل هذا التصرف حقاً حرية شخصية أم أنه سيكونُ قيداً مميتاً؟ حينها ردة فعلك ستحكم إما موت أحدهم بسبب مساندتك أو نجاته بسبب وقفتك..
اضافةتعليق
التعليقات