تعود أسباب الخوف النفسي إلى خطر تعتقده محدقاً بك، ويتجلى بحالات نفسية عدة مثل: الاضطراب - القلق - الأرق - التوتر، وإلى ما هنالك من مثل هذه الحالات. الخوف النفسي يأتي أبدأ ودائماً من شيء قد يحدث وليس من شيء يحدث الآن، أو قد حدث فيما مضى، أنت في الـ «هنا» و«الآن»، بينما عقلك مشدود إلى المستقبل، وهذا ما يتسبب بانخفاض الاحساس بالقلق، وطالما أنت متماثل مع عقلك، وتفتقر إلى التماس مع قوة وبساطة الآن ستبقى حالة اللاقلق ملازمة لك، تمكنك من التغلب على مشاكل اللحظة التي أنت فيها، لكنك لن تقدر على مقاومة شيء هو من نتاج العقل، بكلمة شافية وواضحة، لن تكون قادراً على مصارعة المستقبل.
أضف إلى ذلك، أنه طالما أنت متوافق عقلك، تكون الأنا، بسبب طبيعتها الراغبة في الظهور، بمظهر القوي دائماً وأبداً، هي المسيرة لحياتك وبالرغم من آلية الدفاع المحكمة التي تتمتع بها، فالأنا تشعر وكأنها عرضة للهجمات وأنها غير آمنة، وهذا ما يجعلها تنظر إلى نفسها وكأنها مهددة دائماً، حتى ولو كانت واثقة من ردة فعل الجسد تجاه العقل، فإن أي رسالة يتلقاها الجسد باستمرار من الأنا، هي من صنع العقل: مع نفسها.
تذكر الآن أن الإنفعال هو الخطر أي أنا مهددة، وهكذا تكون ردة الفعل المتوقعة طبعاً، وللخوف، الخوف من الخسارة، الخوف من الفشل، الخوف من التعرض للأذى، وهكذا.
على ما يبدو أنواع عدة: إنما قمة الخوف، هي خوف الأنا من الموت، من الاندثار، بالنسبة للأنا، الموت ينتظر خلف الباب، في مثل هذه الحال، يلقي الخوف من الموت بظلاله على حياتك.
لو تراءى للأنا أمر جداً تافه، واعتبرته يهدد مصداقيتها، تنبري للدفاع عن نفسها أولاً، بإثبات أن الآخر على خطأ، وكل هذا يعود إلى الخوف من الموت، لو توافقت مع موقف عقلاني، ولو كنت غير محق، فعقلك سيجعلك تشعر أنك مهدد بالإلغاء، هكذا أنت كما الأنا التي ترفض وصمها بالمخطئة، فهي دائماً على حق، وإلا فالموت بانتظارها، ولهذا السبب اندلعت حروب وانقطعت علاقات.
إن قطعت ذات مرة أي صلة بما يسمى العقل، إن كنت محقاً في ذلك أم لا، فهذا يعني ألا فرق بالنسبة لإحساسك بالذات، ما يجعل اللاوعي سواء المتجذر في داخلك والذي كان يكافح من أجل إثبات للدفاع أنه على حق، ولو بالقوة، يجعله وكأنه غير موجود وهكذا يصبح بمقدورك أن تشعر بحرية وأن تفكر كما يحلو لك، دون أن تضطر للدفاع عما فعلت، إحساسك بالذات هو الآن، ينبعث من أعمق مكان في ذاتك، وليس من العقل.
راقب أي نوع من الدفاع في داخلك وما الذي تدافع عنه؟ عن هوية خادعة؟ عن صورة في عقلك؟ عن كيان وهمي؟ من خلال إيجادك هذا النموذج من الوعي، ومن خلال مراقبته، تكون تتحرر وحين يسطع نور وعيك، سرعان ما يختفي نموذج اللاوعي.
هذه هي نهاية كل النقاشات وألعاب القوة التي هي مفسدة للعلاقات فإن استعمال القوة للضغط على الآخرين ما هو إلا ضعف يبدو وكأنه قوة إن القوة الحقيقية هي في داخل الذات، وهي بين يديك الآن.
يحاول العقل دائماً وأبداً إدانة الآن والهرب منه، بكلمة واحدة شديدة الوضوح طالما أنت مرتبط بالعقل، طالما أنت تتعذب فكلما تحررت من الآلام والأوجاع تحررت من العقل الأناني.
فإن أردت عدم الاستمرار في جلب الأوجاع لك وللآخرين، إن أردت عدم اضافة آلام إلى الماضي التي ما تزال تعاني منها، إذاً لا تفكر بالوقت، أو على الأقل لا تهتم إلّا بالزمن الكافي لإنجاز عمل تقوم به، ولكن كيف يمكن التوقف عن خلق الوقت؟
تأكد بعمق أن اللحظة الراهنة هي كل ما لديك، واجعل الآن محور حياتك الاساسية، فقبل إن تقيم في الوقت وتقوم من مدة لمدة بزيارة إلى الآن، اجعل لك مكان إقامة في الآن وقم بزيارات متقطعة للماضي والمستقبل حين تدعوا الحاجة، وللاهتمام ببعض أوضاعك الحياتية، دائماً قل (نعم) للحظة الحاضرة.
ضع حداً لخداع الزمن، الزمن والعقل توأمان متلازمان لا ينفصلان، إنزع الزمن من العقل، وهكذا يتوقف تلقائياً، إلا إذا كنت بحاجة إليه.
إستجابتك لإرادة العقل، تعني وقوعك في شرك الزمن، أو أن تكون مكرهاً على العيش مع الذكريات والتوقعات ما يعني أيضاً أن لا نهاية لارتباطك بالماضي أو لتطلعاتك نحو المستقبل، وأنك تكون مكرها على العيش مع الذكريات والتوقعات ما يعني تتمكن من احترام اللحظة الحاضرة أو التعرف عليها، والسماح لوجودها، تفعل ذلك مكرهاً لأن الماضي هو من يحدد هويتك، ولأن المستقبل يعدك بالخلاص الروحي، بأي شكل وهذا هو الخداع.
كلما كنت أكثر تركيزاً واهتماماً في الزمن - الماضي والحاضر - كلما تفتقد الآن الذي هو أغلى ما في الوجود.
لماذا هو أغلى ما في الوجود؟
أولاً: لأنه الوحيد الموجود، فالحياة هي الآن، ولن يكون هناك وقت طالما حياتك غير موجودة الآن، أو لن تكون أبداً.
الآن؟ هل اختبرت، فعلاً وتفكيراً أو أحسست بشيء خارج أتعتقد أنك ستفعل ذلك؟ إنه لمن السهل جدا أن يحدث، خارج الآن. الجواب واضح؟
ثانياً: الآن هو الأمر الوحيد الذي يأخذك إلى ما وراء العقل المحدود، إنه الأمر الوحيد للولوج إلى اللاوقت ـ اللازمن.
لا شيء يحدث أبداً في الماضي، إنه يحدث في الآن، لا شيء سيحدث في المستقبل، بل سيحدث في الآن، يستحيل فهم فحوى ما أقول هنا بالعقل في اللحظة التي تفهم فيها يتحول الوعي من العقل إلى الجوهر، من الزمن إلى الحاضر، وفجأة الكل يستعيد حياته، تعود ذبذبات الطاقة لتنتشر لينبثق الجوهر.
اضافةتعليق
التعليقات