لقد أكرم الله تعالى أمة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله وخصّهم من بين جميع الأمم الماضية بمواسم عبادية يتقرّبون بها إليه بالدعاء والأعمال الصالحة؛ فيضاعف لهم الحسنات ويتجاوز عن السيئات كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا له لعلّه أن يصيبكم نفحةً منها فلا تشقون بعدها أبدا).
مثل هذه المواسم المفعمة بالنفحات الإلهية تمنح الإنسان قوة، وأملا، وطمأنينة، وشعورا عميقا بالقرب والرضا الإلهي.
وليس من الغريب أن ترد في روايات المعصومين عليهم السلام بعض العبارات في بيان ثواب بعض الأعمال، والتي تعكس سعة رحمة الله، وسخائه على عباده كعبارة (يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، (تحات خطاياه كما يتحاتّ ورق الشجر) وغيرها .
ولا شك إن شهر رمضان من أفضل المواسم العبادية وأكثرها عطاء، وكما وصفه الرسول:
(شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات) .
فهو موهبة إلهية عظمى لا يقاس بها سواه من الشهور، وفرصة لصياغة الإنسان صياغة تتكرر كل عام لتبقى الروح في حالة تجدد، ورقيّ، وتكامل؛ هذا فيما لو أحسنّا استغلال هذه المواهب، واستثمارها بشكل فعّال .
فكيف نستثمر هذه الهبة العظيمة، ولا نتصرف معها تصرف الغافل، أو تصرف من لا يعنيه الأمر وكأنه خارج عن دائرة اهتمامه، هذه الغفلة ستورثنا الخسران والندم، وقد لا تسنح لنا الفرصة بموسم جديد !
الكثير من المؤمنين يضاعفون أعمالهم العبادية في هذا الشهر، يكثرون من المستحبات، البعض منهم لايطوي سجادة صلاته، ويحرص على قراءة المزيد الختمات، هذا بحد ذاته أمر عظيم، وأي عبادة يقوم بها سيكون أجرها أضعافا كثيرة ببركة هذا الشهر .
ولكن العبادة لا تقتصر على الطقوس العبادية المعتادة من صلاة، وتلاوة، ودعاء، وإن كانت هذه الأعمال هي المصداق الأوضح للعبادة، وعلينا أن نعطيها حقها من الاهتمام، ولكن لحياة المؤمن بعدان، البعد الشخصي الذي يعكس علاقته بالله تعالى، والبعد الإجتماعي الذي يمثل علاقته بالآخرين؛ فهو لا يعيش في جزيرة مهجوره لكي يقضي وقته على سجادة صلاته، بل هناك المجتمع الصغير المتمثل بأسرته، والمجتمع الكبير المحيط به وما يتضمنه من علاقات متعددة مع الأرحام والجيران، والأصدقاء، وزملاء العمل، وحتى غرباء يلتقي بهم لقاءً عابرا في طريق أو سوق، كل أولئك عليه أن يتعامل معهم تعاملا عباديا يعكس روح الشهر المبارك .
لو تأملنا خطبة الرسول عند دخول شهر رمضان لوجدنا أنه صلى الله عليه وآله يفتح لنا نوافذ النور، ويضع بين أيدينا خطة متكاملة لاستثمار الشهر المبارك، ولو دققنا في الخطبة لوجدنا إن أكثر من نصف فقراتها تركز على الجانب الإجتماعي من سلوك الإنسان .
إنه صلى الله عليه وآله يدعونا لأن نرحم صغارنا، ونوقر كبارنا، ونغض أبصارنا، ونتحنن على الأيتام، ونصل أرحامنا، ونحسن أخلاقنا، بل الأروع من هذا كله والأكثر إلفاتا للأنظار قوله صلى الله عليه وآله: (ومن كفّ فيه شرّه كفّ الله عنه غضبه يوم يلقاه) .
عملك أيها الصائم في هذه الفقرة هو أن لا تعمل شيئا، أن تتوقف عن سلوكك الشرير والمؤذي للآخرين!
كم يوجد في مجتمعنا أصناف من البشر لاعمل لهم سوى إيذاء الآخرين، وإزعاجهم؛ مثلا الشاب الذي يسير بسيارته أو دراجته بسرعة جنونة، وصوت يخرق الآذان هل يدرك إن عمله هذا شر، يؤذي الآخرين وينغّص عليهم عيشهم؟ وهل يدرك إن توقفه عن هذه التصرفات المجنونة إكراما لشهر رمضان، هو عمل عبادي يُثاب عليه؟ وإن الله تعالى سيجازيه بأن يكفّ غضبه عنه في يوم سيكون أحوج مايكون إلى رضا الله ورحمته .
إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة، وبين أيدينا خارطة الطريق واضحة جليّة، ما علينا سوى أن نسير نحوها بخطى ثابتة لا تزل، ولا تخطئ، وكيف تخطئ وقد فتح لنا الحبيب نوافذ النور على مصراعيها؟
اضافةتعليق
التعليقات