لنفترض أنه يوجد كتاب تريد أن تقرأه، وأن هذا الكتاب يتألف من مادة كتبها شخص بهدف إيصال شيء ما إليك. في هذه الحالة يتحدد نجاحك في القراءة بالمدى الذي تتوصل إليه من خلال تلقي كل شيء هدف الكاتب أن يوصله إليك. إن هذا بالطبع أمر بسيط، والسبب في ذلك أن هناك احتمال علاقتين بين ذهنك والكتاب وليس فقط علاقة واحدة، وهاتان العلاقتان يمكن أن تتمثلا بتجربتين مختلفتين تحصل عليهما من خلال قراءة الكتاب.
هناك يوجد كتاب، وهنا يوجد عقل. ومن خلال اطلاعك على صفحات الكتاب يوجد احتمالان، فإنك إما أن تفهم كل شيء يقوله الكاتب، أو لا تفهم ذلك. فإذا كان فهمك كاملاً فإنك تكون قد اكتسبت معلومات، ولكنك في هذه الحالة لا تكون قد ازددت فهماً، وإذا كان الكتاب واضحاً تماماً من بدايته وحتى نهايته، فإن عقلك وعقل الكاتب قد وضعا في قالب واحد، والرموز الموجودة على الصفحات تكون فقط تعبيراً عن الفهم المشترك لما رأيته سابقاً.
وهناك احتمال آخر، وهو أنك لم تفهم الكتاب تماماً. ودعنا نفترض أنك قرأت حتى عرفت أنك لم تفهم الكتاب إطلاقاً، مع الإشارة هنا إلى أن هذا الشيء غير السار ليس دائماً هو الشيء الحقيقي. فقد تكون قد عرفت أن الكتاب يقول شيئاً أكثر مما فهمت منه، بمعنى أنه يحوي شيئاً يمكن أن يزيد من فهمك. ماذا ستفعل في هذه الحالة؟ يمكن أن تأخذ الكتاب إلى شخص آخر تعتقد أنه يمكن أن يقرأه أفضل منك ويشرح لك الأجزاء التي أتعبتك وهذا يمكن أن يكون شخصاً أو كتاباً آخر تفسيري أو مدرسي.
أو يمكنك أن تقرر أن ما لم تفهمه من الكتاب لا يستحق العناء وذلك لأنك فهمت من الكتاب ما يكفي، وفي كلتا الحالتين فإنك لم تبذل الجهد الذي يتطلبه الكتاب. هناك طريقة أخرى ولكنها ذات اتجاه واحد، وهي أن تتم قراءة الكتاب بدون مساعدة خارجية من أي نوع كانت، وأن يبذل الجهد على ذلك الكتاب من خلال قوة ذهنك فقط، وبطريقة يمكن أن تزيد من مقدرتك تدريجياً للتحول من حالة الفهم الأقل لمرحلة الفهم الأكثر،
وينجز مثل هذا التحول من خلال جهد الذهن على الكتاب باستعمال مهارات القراءة العالية، تلك القراءة التي يستحقها التحدي الذي يجابهك به الكتاب. وهكذا يمكننا وبشكل تقريبي أن نُعرّف ما نعنيه بفن القراءة على النحو التالي: إنه العملية التي يعمل بها الذهن على حروف مادة مقروءة دون أية مساعدة من خارج المادة المقروءة ويرقى بها الذهن من خلال قواه الذاتية.
وفي هذه الحالة ينتقل الذهن من مرحلة الفهم الأقل إلى مرحلة الفهم الأكثر. وهذه العمليات الماهرة التي تسبب حدوث هذه الحالة تتألف من الأفعال المختلفة لفن القراءة. ومن الواضح أن هذه هي أكثر أنواع القراءة التي قمت بها فعالية لأنها تشتمل ليس على الأنواع المختلفة من الأنشطة فقط ولكنها أيضاً الأداء الماهر للأفعال المختلفة المطلوبة. كما أنه من الواضح أيضاً أن هذه الأشياء التي تعتبر عادة من الصعب قراءتها وبالتالي تتطلب قارئاً جيداً التي تستحق على الأرجح هذا النوع من القراءة.
إن التفريق بين القراءة من أجل المعلومات والقراءة من أجل فهم أعمق من ذلك. دعنا نحاول أن نقول أكثر على هذا الموضوع، يجب علينا أن نأخذ هدفي القراءة لأن الخط الفاصل بين طريقة قراءة مادة ما، وما يجب أن نقرأه بطريقة أخرى هو في الحقيقة خط غامض. وللمدى الذي نستطيع أن نحتفظ بهذين الهدفين المختلفين، فإننا نستطيع أن نستخدم كلمة « قراءة » بمعنيين مختلفين :
إن المعنى الأول هو ذلك الذي نقوله عن أنفسنا عندما نقرأ صحيفة أو مجلة أو أي شيء آخر والذي هو حسب مهارتنا ومواهبنا مفهوم كلياً بالنسبة إلينا. إن مثل هذا الشيء يمكن أن يزيد من مخزوننا من المعلومات ولكنه لا يستطيع أن يحسن فهمنا، لأن فهمنا كان مساوٍ لها قبل أن نبدأ، وإلا فإننا سوف نشعر بالحيرة والارتباك من الذي سينتج في حالة عدم المساواة.
أما المعنى الثاني فهو عندما يحاول شخص أن يقرأ شيئاً لا يفهمه بشكل تام، في هذه الحالة سوف يكون مستوى المادة المعدة للقراءة أعلى من مستوى القارىء. إنه في هذه الحالة يزيد من فهمه. وإن هذا التواصل بين الشيئين غير المتساويين يجب أن يكون ممكناً وإلا لما كان هناك إمكانية لتعليم شخص من خلال شخص آخر، سواء من خلال الحديث أو من خلال الكتابة.
وبذا تعني كلمة التعلم هنا الفهم الأكثر وليس تذكر معلومات أكثر لها نفس الدرجة من الوضوح كالمعلومات التي نمتلكها نحن. ومن الواضح أنه لا توجد صعوبة من النوع الفكري عن المعلومات الجديدة من خلال عملية قراءة حقائق جديدة من نوع الحقائق التي نعرفها.
إن الشخص الذي يعرف بعض الحقائق عن التاريخ الأميركي ويفهمها من خلال أضواء معينة يستطيع أن يكتسبها من خلال القراءة طبعاً للمعنى الأول المستخدم للكلمة ولكن لنفترض أنه يقرأ تاريخاً لا يعطي فقط حقائق جديدة ولكنه يلقي أضواء جديدة على كل الحقائق التي يعرفها. ولنفترض أنه يوجد فهم أكثر متاح من تلك التي يمتلكها القارىء قبل أن يبدأ القراءة. فإذا استطاع القارىء أن يحقق فهماً أكبر فإنه يكون قارئاً بالمعنى الثاني للكلمة. ويكون بذلك قد رفع نفسه من خلال فعاليته بشكل غير مباشر، وبالطبع يكون ذلك قد تم من خلال الكاتب الذي لديه شيء ليعلمه.
ما هي الشروط التي تحدث من خلالها القراءة من أجل الفهم؟
هناك شرطان: الأول يوجد حين تكون عدم مساواة مبدئية للفهم، حيث يكون الكاتب بمستوى أعلى من مستوى القارىء ويشرح من خلال كتابه رؤياه التي يملكها والتي تنقص القارىء، والثاني أن يكون القارىء قادراً على تجاوز عدم المساواة هذه لدرجة ما. حيث ينحو القارىء للتساوي مع الكاتب. وإلى المدى الذي يتقارب به هذا التساوي يكون التواصل قد أنجز بين القارىء والكاتب. تعلم وبالمختصر نحن نستطيع أن نتعلم من الذين أفضل منا، ويجب من هم وكيف نتعلم منهم. إن الشخص الذي يمتلك هذا النوع من المعرفة يمتلك فن القراءة بالمعنى الذي نهتم به في هذا الكتاب وكل شخص يستطيع القراءة لديه القابلية للقراءة بهذه الطريقة. وكلنا دون استثناء نستطيع أن نتعلم كيف نقرأ أفضل ونكسب ذلك تدريجياً من خلال الجهد الأكثر الذي نطبقه على مواد قراءة قيمة. نحن لا نريد أن نعطيك الانطباع على أنه من السهل التمييز بين الحقائق التي تزيد معلوماتنا وبين تلك التي تزيد فهمنا. ونعترف أن سرداً معيناً للحقائق يقود إلى فهم أكثر، إلا أننا نود التركيز على ناحية معينة هنا وهي أن هذا الكتاب يبحث في فن القراءة من أجل زيادة الفهم. وإذا استطعت أن تفعل ذلك فإن القراءة من أجل المعلومات سوف تنجز تلقائياً.
وبالطبع فإنه يوجد هدف آخر للقراءة من أجل المعلومات والقراءة من أجل الفهم، إنها القراءة من أجل التسلية. وهذا الكتاب لن يعنى بالقراءة من أجل التسلية، وهي الأقل جهداً بين كل القراءات وتتطلب الجهود الأقل من قبل القاريء.
وكل شخص يعرف كيف يقرأ يستطيع القراءة من أجل التسلية إن أراد ذلك. وفي الحقيقة فإن أي كتاب يقرأ من أجل الفهم أو من أجل المعلومات يمكن أن يقرأ على الأغلب من أجل التسلية، تماماً مثل الذي نقرأه لنزيد فهمنا يمكن أن نقرأه من أجل المعلومات التي يحتويها. (إلا أن هذا الافتراض لا يقبل العكس حيث أنه ليس كل كتاب يقرأ من أجل التسلية يمكن قراءته من أجل الفهم).
ولا ترغب في أن نجادلك في ألا تقرأ الكتب الجيدة من أجل التسلية هو فالمسألة التي نريد التركيز عليها أنك إذا كنت تريد أن تقرأ الكتب الجيدة من أجل الفهم فإننا نعتقد أننا نستطيع أن نساعدك، وموضوع كتابنا في هذه الحالة هو فن قراءة الكتب الجيدة من أجل الفهم حين يكون الفهم الهدف الذي تضب عينيك .
اضافةتعليق
التعليقات