شعشع علينا شعبان بأنواره، وابتسمت ثِغارنا بإقباله، فنجلُ ليث الوغى يبدأه بمولده، في ثالث من شعبان حلَّ بمنزله، فمنزله جلاه رب العباد في قلوبنا، من عالم الذر عرفناه سليلنا، يا أبا عبد الله حللت أهلاً، ونزلت سهلاً بأفئدتنا، يا ابن الزهراء إنا لم نرك يوماً بالبصر، لكن لُبَّ رؤيانا لك بالبصيرة، ولم نذب عشقاً لك بلقاء جسدي، إنما لقيناك قبلة للعاشق الأوحدِ، مدَّ جزرُ حبك لنا امتداده، فتمسكنا بحبٍ حسينيٍ عذري سرمدي.
قبابك ملاذٌ لكل ظامئ لجود الألطفِ، ولغريق الذنوب، ولكل من تكالبت عليه الهموم، وأحاطت به الغموم، وما زال من يتوق شوقاً لرائحة الجنة يأتيك من ناحية اللاشعور، فأنت للأرض جنة، وقبابك تنعش النظر، والتنفس بفيء ظلك ينعش الرئتين، والقلب عندك لا يستطيع أن يسيطر على نبضاته فيأخذه الخفقان بأسرع مأخذ، ما بين تلهفٍ وسعادة بلقاء المحبوب تكاد أن تتوقف القلوب، والذي يستنشق بضريحك يأبى الزفير، وحقه طامع أن يأخذ معه هواء الحسين، ويتسابق لأخذ كمٍ من هواء النقاء، فيسرح الانسان لعالم الهدوء والسكون، والعشق والفتون.
هكذا تتراكم المشاعر مع بعضها والتعابير بفرحة وسرور، وتتلاطم وتزدحم الأشواق، وتنعقد ثم تتلاشى المشاكل والهموم، عندك يا سيد الشهداء، ففتوننا بك بكل لحظة وحين، نفتخر ما بين كل الملايين، أننا حُضينا أن نكون من فرقة العوابس، أي مجانين الحسين.
تحت ظلال الحرم وبين الحمائم، هناك قائم وجالس وضريرٍ ومقعدٍ وسالم، وطفل صغير وشيخ كبير وامرأة عجوز وشاب وقور وأم ثكلى وأبٍ صبور، كلهم جاؤوا بهيام، ليباركوا مجيء الإمام، بالدعاء والمناجاة كلهم متضرعون، ما بين كميل والندبة وأعمال شعبان وترتيل القرآن، وسجود وخشوع وتبتيلٍ وقنوع، وصيام وصلاة قربة لله وحباً للحسين، كلهم جاؤوا ليخرجوا من حلق الضيق إلى واسع الطريق ومن دنيا الهموم إلى الجنة الرؤوم.
من عالم الذر دُسَّ إلينا حب الحسين ونحن صغار رُضَّع، بشكل جرعاتٍ غذته لنا أمهاتنا من طيب منبع، ونحن من عالم الذر فينا حبه، فتلاقا الحُبان أجمع، وبالتغذية نمت عظامنا وقوت أجسامنا بحبٍ صافٍ ألمع، فالحسين حشاشة رسول الله فكيف بنا؟ نحن العبيد الفقراء لله الذين هواهم الهوا فأخذهم لصرحٍ من الرفيع أرفع، وها نحن بحب الحسين يأخذنا الهيام وتجرنا الأشواق ويأسرنا الحنين بشهد حبه تتغذى أروحنا المتخاوية من تكالب الزمان وجور السنين.
فاللهم بحق هذا المولود الذي شرفته وعظمته بكياننا من غير أن نراه أو أن نسمعه وعظمت حرمته وكينونته، اجعلنا من مواليه المخلصين ولا تبعد بيننا وبينه في الدنيا والآخرة طرفة عين أبداً، إنك خير ناصر ومعين، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
اضافةتعليق
التعليقات