باتت الرياضة بمختلف أشكالها وأنواعها من الأنشطة الحيويّة المنتشرة في معظم الدول والمجتمعات فالرياضة شيّقةٌ محببةٌ للنفس البشريّة، ولا تخلو دولة أو مجتمع منها، بل إنّها تحتل حيزاً مهمّا من المواد الدراسية في المدارس، وهي مظهر من مظاهر الرقي المجتمعي والحضاري، متى التزمت المجتمعات والشعوب بآدابها، ومن توابعها ولوازمها غالباً التنافس الرياضي، والذي يأخذ شكل مباريات محليّة، أو قطريّة، أو دوليّة.
ولكن من الظواهر السلبية المصاحبة للتنافس الرياضيّ، ما يعرف بالتعصّب الرياضي، وهو تعصّب مشجعي كل فريقٍ لفريقهم، سواء على مستوى القرية، أو المدينة، أو الدولة، أو على مستوى دول العالم، ويأخذ التعصب الرياضيّ أشكالاً عدة تبدأ بالهتاف، والتصفيق، والتشجيع، وما ينتج عن ذلك من زحام، وسرعان ما تتعدى الرياضة ذلك كله لتصل إلى السباب، والشتائم، وتنتهي باشتباكات عنيفة تترك نتائج سيئةً تصل إلى حد النزاع، والاحتراب بين أفراد المجتمع الواحد أو الدول.
شكّل «الولاء» جزءاً أساسياً من نسيج متابعة الجماهير للنشاط الرياضي، وأيضاً من «الهوية الرياضية» للمتابع. ولكن عندما يتجاوز هذا الولاء الضوابط الأخلاقية والمنطقية ينقلب تعصباً يؤدي في بعض الظروف إلى نتائج بعيدة كل البعد عن الإمتاع المتوخَّى من الرياضة.
وفي حين أن كل أنواع الرياضة تحظى بجماهير متحمِّسة لفريق دون آخر، فإن مستويات هذه الحماسة وأشكال التعبير عنها تختلف من رياضة إلى أخرى. ولكن مما لا شك فيه أن كرة القدم تبقى الميدان الذي يؤجج عواطف الجماهير بشكل أوضح بكثير من غيره، وعلى المدرَّجات المحيطة بملاعب كرة القدم نجد أكبر الأمثلة (وأسوأها) عن حالات انقلاب الولاء إلى تعصُّب يقلب أحياناً الوعد بالبهجة والاحتفال إلى مصائب وكوارث.
وفيما يأتي مساهمتان تتناولان التعصُّب الرياضي. في الأولى عرض لجذور هذه القضية وبعض أوجهها من خلال أمثلة شهيرة شهدها العالم ولا تزال تهدِّد ملاعبه اليوم. أما الثانية، فهي قراءة للأسباب النفسية والاجتماعية المغذية للتعصُّب الرياضي، ليصل إلى طرح السؤال حول ما إذا كان من الممكن توليد مثل هذا التعصُّب لغايات مفيدة خارج عالم الرياضة والملاعب.
أسباب التعصّب الرياضي:
إنّ الجهل، وعدم التثقف، وعدم التحلي بالروح الرياضية العالية، والتعصّب العرقي المقيت، والأنانية، تكاد تكون على رأس مسببات التعصب الرياضي، ففرح كل مشجعي فريق بفوز فريقهم يعد أمراً مقبولاً ومستساغاً، لكن أن يتطور الأمر إلى مظاهر مقيتة كالشتم، والسباب، والضرب، والتحشيد الطائفي والعرقي، كل هذه مفرزات سيئة، للتعصب الرياضيّ، تخرج التنافس الرياضيّ، عن روحه الرياضيّة السمحة المشروعة، تلك الروح التي تجعل من التعصّب للهدف الجيد والإنجاز الرائع للهدف هدفاً لها، فواجب أصحاب الفرق الرياضية، توعية مشجعيهم بأخلاق التنافس الرياضي، والروح الرياضية العالية.
نتائج التعصّب الرياضي:
من نتائج التعصّب الرياضي انقلاب أفراح الّلعب، والتنافس، إلى مآسٍ، ومصائب تتقطع معها المودّات، وتكثر من خلالها العداوات، فتمتد الأيدي نحو بعضها، وتتعارك الألسن، وتنثر البغضاء بذورها الخبيثة، وقد سمعنا بمباريات جلبت الويلات لأصحابها، ووقعت معها الضحايا، واستقبلت أسرّة المشافي الجرحى؛ نتيجة عراك، أو زحام، أثناء التشجيع، وقد سمعنا أيضا بدول شقيقة، ارتفعت سحب دخان العداوة بينها بسبب التعصب الرياضيّ، الذي كان يمكن تجنبه بالوعي، والتثقيف الإعلامي، عبر وسائل الإعلام المختلفة، فكل هذه مظاهر لا تمت للروح الرياضية العالية الرفيعة بصلة، وتبعد الرياضة أصلاً عن هدفها الحقيقي، وكلما كان الفريقان الرياضيان ومشجعوهما على درجةٍ من الوعي بأخلاقيات التنافس الرياضي فإنّ الرياضة تكون أكثر متعة وأكثر جمالاً، تتوثق بها العرى، ويقوى نسيج الترابط الاجتماعي والوئام، فتكون الرياضة محطّةً للتلاقي والتعارف، أكثر منها محطة للتنافس والصراع والتعصب.
التعصب الرياضي ظاهرة سلبية للتنافس الرياضي، الذي يجب أن تظهر فيه روح المودة والوئام، ورفع الروح الرياضيّة عالياً في أبهى صورها، وتمتد من خلالها جسور التعارف، وترتفع راية الوئام، والتثقيف بين الأندية الرياضيّة، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي المساجد، والمدارس، ما يمكن به علاج هذه الظاهرة السلبية، التي تخرج الرياضة عن هدفها السامي.
هناك طرق عديدة لعلاج التعصب الرياضي، ولكنها تحتاج إلى بعض الوقت حتى تنجح تلك الخطط العلاجية في تأدية دورها من هذه الطرق الآتية:
- تربية الأطفال على حرية التفكير واختيار النادي المحبب إليهم، ولكن دون أن يجعلون من هذا الحب دافعًا إلى كراهية الآخر والإساءة إليه.
- أن يتعود الطفل منذ صغره على تقبل ثقافة الاختلاف حيث إن الاختلاف في الرأي، لا يشترط أن يؤدي إلى خلاف يخسر فيه كلا الطرفين القيم والمبادئ التي تربوا عليها منذ صغرهم.
- تسليط الضوء على بعض النماذج الرياضية ليقتدي بهم الشباب في أفعالهم وأقوالهم وبالتالي تكون هذه هي بداية حل جزء كبير من الأزمة.
- أن تقوم جميع وسائل الإعلام بعمل بعض الحملات الإعلانية التي تهدف إلى توعية الجمهور بأهمية التحلي بالروح الرياضية، والتأكيد على أن المستفيد الأول من سيادة الروح الرياضية هو الأندية التي تمارس الرياضة في هذا الحين بشكل صحي وسليم، ولا يتسبب في أي ضغط نفسي على اللاعبين بالفريق.
- عمل بعض المسابقات التي تهدف إلى تشجيع الجمهور الأكثر تقبلًا للآخر، والذي يتحلى بروح رياضية، حيث إن تلك المسابقات سوف تجعل هناك منافسة بين الجماهير في الالتزام بالمعايير الرياضية المطلوبة.
- عمل بعض القوانين التي تهدف إلى معاقبة كل من يمارس أي فعل يندرج تحت اسم التعصب الرياضي، بشكل مغلظ سواء كان هذا الفعل نابع عن أحد الجماهير والإعلاميين أو حتى العاملين بالأندية الرياضية.
اضافةتعليق
التعليقات