هنالك الكثير من الناس لا يبدأ يومهم قبل الإطلاع على أخبار أبراجهم اليومية، ويجدون تطابقاً تاماً بين الكلام المكتوب وشخصيتهم الحقيقية ولا يدخلون في مشروع أو علاقة إلاّ بعد الإطلاع التام على مستجدات البرج وما ينصحه المختصون في ذلك..
ولكن كيف يمكن لأحداث برج واحد أو صفة معينة أو حتى حدث مصيري أن يطابق مع ملايين الأشخاص الذين يعيشون على هذا الكوكب؟
إن ما يحدث مع الناس في موضوع الأبراج يعود إلى ظاهرة بارنوم أو تأثير فورير نسبة إلى عالم النفس “برترام فورير” B. R. Forer) ) الذي لاحظ أن معظم الناس يميلون إلى قبول وصف فضفاض للشخصية يصفهم بدقة، دون أن يدركوا أن هذا الوصف نفسه يمكن أن ينطبق أيضا على أي شخص آخر.
على سبيل المثال النص الآتي، كما لو أنه قدم لك من أجل إجراء تقييم شخصي لشخصيتك: “أنت بحاجة إلى الحب والتقدير، ولذلك تنتقد نفسك بنفسك. لديك بالتأكيد بعض نقاط الضعف في شخصيتك، ولكنك عادة ما تقوم بتعويضها. لديك إمكانات وقدرات لم تستثمرها بعد لصالحك. أنت منضبط ومتحكم في أمورك ظاهريا، لكنك داخليا قلق وغير واثق بنفسك. أحيانا تتساءل بصدق إذا كنت قد اتخذت القرار الصحيح أو فعلت الشيء السليم. تفضل التجديد والتنوع، ولا ترضى بأن تحيط بك القيود والحدود. تعتز بكونك مستقلا، ولا تقبل آراء الآخرين العبثية. ولكنك وجدت أنه من غير الحكمة إطلاع الآخرين على أفكارك بسهولة. تكون أحيانا منفتحا وكثير الكلام واجتماعيا، بينما تكون منطويا وحذرا ومتحفظا في أوقات أخرى. وبعض طموحاتك تميل لأن تكون غير واقعية.”
أعطى فورير اختبار شخصية لطلابه، وتجاهل إجاباتهم، ثم أعطاهم النص أعلاه. وطلب منهم إعطاء علامات لهذا التقييم بين 0 و5، فالرقم “5” يعني أن تقييم الشخصية كان ممتازا، والرقم “4” يعني أن التقييم كان مطابقا للشخصية بدرجة أقل من الأولى، وهكذا. وكان متوسط الدرجات المحصل عليها في القسم هو 4.26. كان ذلك عام 1948. وأعيد الاختبار مئات المرات مع طلاب علم النفس وكان المعدل دائما يقارب 4.2.
تمكن فورير من إقناع الناس بأنه قادر على تخمين طباعهم بنجاح، وقد فاجأت دقته الأشخاص الذين خضعوا لتجربته. على الرغم من أنه قد أخذ تحليل الشخصية ذلك من عمود للتنجيم بمجلة ما. ويشرح تأثير فورير على ما يبدو، ولو جزئيا، سبب تصديق الكثير من الناس للعلوم الزائفة، كالأبراج والتنجيم وكشف البخت والكهانة، لأن هذه الممارسات تعطي تحاليل دقيقة للشخصية، وتشير الدراسات العلمية أن العلوم الزائفة ليست أدوات صالحة لتحديد الشخصية، لكن مع ذلك كل واحدة من هذه العلوم الزائفة لها زبناء راضون عنها ومقتنعون بدقتها.
لكن من الضروري فهم أن هذا التأثير ينجح فقط إذا كانت الجملة إيجابية أو مادحة بطبيعتها، أما إذا كان الرأي سلبيًا أو انتقاديًا فإن الناس يميلون إلى التشكك غالبًا، لذا فهي في الحقيقة تغذي الأنا (الإيجو) الخاص بك.
عادة ما يتم تصنيف عبارات مثل: "أنت تفكر في إيذاء الأشخاص الذين يقومون بأشياء لا تحبها" على أنها جملة غير دقيقة وليس لها صلة بالأمر، لكن إذا كنت ترغب في الصدق فهي صحيحة بنفس قدر جملة: "أنت شخص قوي للغاية".
إن سبب انتشار ونجاح تلك الجمل هو كونها عبارات عامة ومادحة، فالناس يحبّون المدح والطبيعة العامة للبشر تكره انتقاد الناس لها، وربما وجد الباحثون في المعهد القومي للعلوم الفسيولوجية ومعهد ناجويا للتكنولوجيا وجامعة طوكيو ومعاهد يابانية أخرى، تفسيرًا علميًا لهذا الأمر.
وجدت الدراسات أن المدح ينشط منطقة في الدماغ تسمى "الجسم المخطط" وهي نفس المنطقة التي تنشط عندما نتلقى المال. اختارت الدراسة 48 شخصًا بالغًا وطلبت منهم إجراء اختبار بسيط على الحاسب باستخدام لوحة المفاتيح، تم تقسيم الأشخاص إلى مجموعات، تلقت المجموعة الأولى ثناءً ومديحًا شخصيًا وفرديًا من أحد المسؤولين، بينما كانت المجموعة الثانية تشاهد المجموعة التي تتلقى الثناء لكنهم لم يتلقوا أي شيء.
أما المجموعة الثالثة فقد طلبوا منهم تقييم أدائهم كمشاركين في الاختبار، وفي اليوم التالي طلبوا من المشاركين أداء نفس المهمة ثانية، وبشكل مدهش تفوق الذين تلقوا الثناء على باقي المجموعات.
وفقًا لنوريهيرو ساداتا، أحد مؤلفي الدراسة، فالسبب بسيط نوعًا ما: "بالنسبة للدماغ، تلقي المديح يعد مكافأة اجتماعية مثلها مثل المكافأة المالية، وقد تمكنا من الحصول على إثبات علمي بأن أداء الشخص يكون أفضل عندما يتلقى مكافآة اجتماعية بعد انتهائه من اختبار ما، فهناك مصداقية علمية وراء جملة "الثناء يشجع التقدم للأفضل"، ومدح شخص ما قد يصبح استراتيجية سهلة وفعالة لاستخدامها في قاعات الدراسة وجلسات إعادة التأهيل".
تميل نتائج القراءة النفسية الباردة إلى توظيف تخمينات مرتفعة الاحتمالات تحركها ردود الفعل تجاه الموضوعات، وبهذا يستطيع المحلل معرفة إذا ما كان على الطريق الصحيح ويعزز استخدام روابط الفرص الأخرى.
أي أنهم يميلون إلى المناورة بعيدًا عن التخمينات الفائتة دون أن يدرك المتلقي ما يحدث، ويؤمن علماء النفس بأن هذه الطريقة تنجح لأنها تجمع بين تأثير فورير وتأكيد التحيزات الداخلية للأشخاص.
اضافةتعليق
التعليقات