كثيرا ما استوقفتني هذه الدرة، جذبني سحرها وغموضها وهي مكنونة في أعماق الحكم، ترى ما هي وما سرها؟
إنها لؤلؤة في عقد فريد وكل عقوده فريدة، عقد تناثرت حباته من فم مطهّر لتتلقفها أيادٍ حاولت جمع معظمها كطفل يهفو لحلوى الأعياد.
قول لمولى الأنام وأمير الكلام علي عليه السلام (من عظّم صغار المصائب ابتلاه الله بكبارها ) !، فلماذا يستحق من يهوّل من وقع المصيبة، مصيبة أكبر ؟! ألا يعد ذلك ظلما للإنسان و تحميله فوق طاقته ؟؟
هناك احتمالات كثيرة لهذا السؤال، ومنها أن الذي يذكي نار مصيبته البسيطة بأعواد الشكوى والتذمر والتباؤس، ما هو إلا ساخط على قضاء الله سبحانه وتعالى، بعيد عن الرضا و السلام النفسيين، كنودٌ لنعمة الصبر الذي ينزل مع كل بلاء بقدره، يشكو الرحيم إلى من لا يرحم، وبهذا استحق عقوبة أكبر و مصيبة أدهى و أمر.
إن هذه الدنيا دار ابتلاء وعناء متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فمن كان ذا نفس صغيرة و لم يطق صبرا عند نزول أولى خيوط المصائب، سيتحمل تبعات ذلك مع الأيام، فالأم أو الأب الجزوعان سيورثان جزعمها لأولادهما بحكم التربية وتماس الأطفال المباشر بهما، ناهيك عن التأثير غير المباشر للمجتمع بسبب الأفكار التي ستصدّرها هذه العوائل، وبالتالي يتولد لدينا مجتمع بائس، كثير السخط، لا يعرف الصبر، ينثر رماد السلبية في التعاملات الاجتماعية، فيكثر حينها مصاصو الطاقة، ويترتب على ذلك كثرة الأمراض النفسية التي تفرز بدورها أمراضا جسدية.
إن آيات الكتاب الحكيم تهمس لنا بأجر الصابرين، تناغي آمالنا بجنة الله الموعودة، ويا له من أجر لم يخطر على قلب بشر ذكره سبحانه وتعالى عندما قال : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1)، ثم صرح بحبه للصابرين عندما قال تعالى ذكره :
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (2)، ومعيته لهم، فقال: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(3).
ووعدهم أن يجزيهم أعلى وأوفى وأحسن مما عملوه، فقال : {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4)
وبعد هذا كله ما لنا إلا الاستسلام لقضاء الله وحكمه الخفية بين طيات البلاء، فما من بلية إلا ولله نعمة تحيط بها، وما البلاء إلا أدب أو امتحان أو درجة أو كرامة، كلٌ حسب درجته، فليطمع المؤمن بأجر الصابرين، ولتكبر نفسه لتهون عليه مصائب الدنيا.
اضافةتعليق
التعليقات