كلما هل شهر محرم الحرام عمد أخي يوسف ذو العشرة أعوام على نصب موكبه الصغير مع أقرانه من أولاد المحلة على جادة الطريق لأجل إحياء مراسم عاشوراء.
كنت أستمع توسلاته لأمي من أجل إعطائه المال للمشاركة مع رفاقه في شراء ما يلزمه للموكب ليقدمه إلى الزوار، كنت أقف مذهولا لامتثال أمي له ليس هذا فحسب بل تعد له بعض الأطعمة! وأنا أراقبه كل يوم حين يخرج في الصباح الباكر لينظف موكبه المتواضع ويهم بتجهيز الشاي وما يلزم، ثم يعود ليستعد للذهاب إلى مدرسته وبعد عودته يكمل واجباته بجهد مضاعف ليتسنى له العودة للعمل في الموكب لخدمة الزوار.
لم أكن اعترضه، كنت أراقبه عن كثب وأنا أرى جل تفكيره هو كيف يرضي الزائر وماذا سيقدم له، قررت أن أزور موكبه الصغير فوجدت الكثير من الشباب معهم للمساعدة، وقفت متسمرا في مكاني أتنقل بنظراتي إليهم وهم منشغلون في سكب الماء والشاي وغيرها، أسأل نفسي أين المتعة في ذلك؟ وبينما أنا هكذا سمعت أحد الصغار يناديني (عمو شيل وياي) ترجلت نحوه لأحمل القدر وأضعه على الطاولة ودون شعور وجدت نفسي أسكب في الإناء حتى توافد الزوار ليأخذوا من يدي ويدعون لي بالصحة والسلامة حتى تزايد عددهم وأنا أسرع في سكب الطعام، ورحت أنادي على إحضار أواني جديدة وأطلب من الآخر أن يحضر الملاعق وآخر أن يساعدني، وما إن انتهينا حتى أدركت حقيقة لا يشعر بها إلا من يعيشها، إنه شعور فريد من نوعه أن تكون خادما لزوار الحسين (عليه السلام)، منذ ذلك اليوم وأنا أذهب لموكب أخي الصغير يوسف لأقدم المساعدة وأتشرف في خدمة زائري الحسين (عليه السلام).
طفاً آخر
حينما تستشرف النفوس بذكر شهادة سيد الشهداء الأليمة تصنع طفا آخرا ففي كل زاوية وركن ومكان نشاهد طوال الطريق خارطة أخرى للمواكب المنتشرة ولاءً وحبا وتواصلا.. وما يستوقف الزائرين ويشد انتباههم هو وجود الكثير من الأطفال الذين يقيمون سرادق خاصة للمساهمة في الخدمة الحسينية، أو ما تسمى بـ(التكية) فتكون هذه التكية شغلهم الشاغل يعدون بها الشاي وبعض المأكولات التي تُعد لهم من قبل ذويهم لتوزيعها إذ تستقطب هذه المواكب الصغيرة الكثير من الزائرين حبا لبراءة الأطفال وصغر سنهم وكرامة للإمام الحسين (عليه السلام).
(بشرى حياة) كانت لها هذه الجولة حول مواكب الأطفال وشعائرهم الخاصة في عاشوراء..
عاشوراء والطفل
الطفل كميل قال بعفوية مطلقة: أنا هنا لأعزي إمامي الحسين (عليه السلام) وأقدم المساعدة لزائريه الكرام.
أما الطفل كرم قال: نحن أولاد منطقة واحدة نتفق جميعنا لتشييد موكبنا وفي كل عام يزداد عددنا فقد أصبحنا هذا العام سبعة أفراد، وقد جمعنا من بيوتنا ما يلزم للموكب من خشب وحديد وفراش وأغطية، فصديقي رضا أحضر صورا ومحمد هو أكبرنا وهو الذي قام بتشييد الخيمة أما زين العابدين اشترى المصابيح اللازمة وأحضر أخيه لإيصال الكهرباء للموكب وأنا أحضرت ما يلزم من الفراش ويوسف وكميل أحضرا الأغطية أما الماء والشاي وغيرها فنحن نتشارك بها جميعنا.
ومن جانب آخر قال الخادم الحسيني الصغير علي إبراهيم: شيد أبي موكبا كبيرا لاستقبال الزوار ليقدم لهم ما يلزم أما نحن فقد شيدنا هذا الموكب الصغير بجانبه لتوزيع الماء فقط، وذلك لأن مولاي الإمام الحسين (عليه السلام) استشهد عطشانا، وهذا يكفي لنعبر به عن انتمائنا وولائنا إلى ركبه.
بينما تعبر أم زينب عن فرحتها وهي ترى جيلا مستقبليا ينهض منذ الآن ليستكمل من بعد آبائهم الرسالة الحسينية، والتي تتمثل بتشييد هذه المواكب فهي تقصد مواكب الأطفال أكثر لتتبرك من (زاد الحسين عليه السلام) على حد قولها وترى على الجميع أن يقصدوا مواكبهم من أجل تشجيعهم وحثهم على الاستمرار بإحياء هذه الطقوس المقدسة.
وقود الثورة الحسينية
وشاركنا الشيخ عبد الرزاق محمد علي عن ضرورة تشجيع الأطفال والصبية لإقامة هكذا مبادرات حسينية مثل نصب المأتم والمواكب حيث قال: إن هؤلاء الصبية هم وقود الثورة الحسينية آلوا على أنفسهم أن تكون بصماتهم وأرواحهم البريئة حاضرة في كل ركن ومكان يصدح بالحسين وذكراه الخالدة.
وأضاف: نراهم قبل دخول شهر محرم الحرام يجتمعون عند بيت أحدهم ليتبادلوا أدوارا لتعلقهم بالذكرى العظيمة فمنهم من يقرر أن يصنع خيمة والآخر يزينها بالأعلام أما الآخر فيأخذ على عاتقه التحضير لموكبهم الصغير بحجمه الكبير بولائهم وفي كل عام من شهر عاشوراء لا يفترقون إلا وقد تجسد الحسين (عليه السلام) فيهم من جديد.
وأشار محمد علي إلى: إن هذه المحبة لم تأتِ من فراغ فالآباء والأمهات أعطوا لهؤلاء الفتية إكسير الولاء الصادق فعلموهم كيف أن الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) حرصوا على أن يكون لهذه الثورة مدد إلهي متصل بهم بمحض الإرادة وقوة البصيرة.
اضافةتعليق
التعليقات