سورة الكهف واحدة من السور التي ذُكر استحباب تلاوتها في ليلة ويوم الجمعة، كما وأشير لمن يداوم عليها بأن له الفضل والخير الكثير بل وحتى على مستوى تغيير المصير، وهذا يأخذنا إلى البحث للتعرف على شيئ من أسباب ارتباط هذه السورة في هذا اليوم العظيم بما هو يوم له خصوصية عندنا فهو يوم إمام زماننا (عجل الله تعالى فرجه)، وكيف إنها بحق سور وكهف للمهدويين، فهناك عدة أمور يمكن أن تكون إجابات مفتاحية لنا بهذا الخصوص:
أولاً: إن في السورة أكثر من قصة ذُكرتْ إلا إنها سُميت بإسم قصة أصحاب الكهف، وقد ذَكرت قِصتهم فيها أولاً _ وكأنها_ المحور في السورة، والمرتكز في أخذ العبر والدروس التي تتفرع منها بقية القصص ودروسها؛ فما يؤخذ من السورة هو يؤخذ من محتواها ومما ذكر فيها.
ثانياً : من الآثار العامة لقراءة القرآن ما ورد عن الزهري قال : قال علي بن الحسين (عليهما السلام)": لو مات ما بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي".. (١) فالإمام (عليه السلام) هنا يشير -كما يبدو- إلى دور القرآن الكريم في حياة الإنسان المؤمن، فهو خير أنيس للقلب إذا أستوحش من أهل الدنيا، وخير معين للثبات وتقوية الذات عند النزول في الميدان.
ففي هذه السورة قال تعالى: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (الكهف٢٧، فما نتلوه من آيات الذكر الحكيم أولى الغايات هي أن تترسخ الحقائق النازلة عبر الوحي في نفوسنا، فنكون ذوي ذوات لديها رؤية واضحة لغاية وجودها، وطبيعة الصراعات والامتحانات التي ستلاقيها، وأن لا ملجأ ولا ناصر ولا ولي إلا هو عز وجل.
فإن أيقنت _النفس_ بأن وعد الله تعالى حق، وكلماته لا تبديل لها، وأن جبهة الحق هي المؤيدة والمنصورة مهما مر أهلها بفترات الاستضعاف، هنا لن تَميل نفس المؤمن لغير القوي العزيز ممن يستدرج بأن يعطى القوة والعلو في هذه الأرض، وإن كانت في زمان تَسيد فيه الطغاة، فهي تبصر حقيقة كونها سيادة لا دوام لها، ولا أصل أو أساس لبقاءها.
ثالثاً: إن ما ورد من فضلِ استحباب قراءتها يوم الجمعة والآثار المترتبة على القارئ لها، مثلاً ورد أنه "من قرأ سورة الكهف كل ليلة جمعة لم يمت إلا شهيداً أو يبعثه الله مع الشهداء، ووقف يوم القيامة مع الشهداء" (٢).
وورد "أن من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة كانت كفارة له لما بين الجمعة إلى الجمعة" (٣).
وأيضاً ورد "أن من قرأ الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام، وإن خرج الدجال عصم منه" (٤).
وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: "مَنْ حَفِظَ أَوَّلَ سُورَةِ الكَهْفِ عَشْرَ آياتٍ عُصِمَ مِنْ الدَّجّالِ" (٥) ، فيه إشارة واضحة لارتباط هذه السورة بصاحب يوم الجمعة وأصحابه.
رابعاً: إن من المعلوم إن يوم الجمعة هو باسم إمامنا الحجة (عجل الله فرجه) وهو اليوم الذي خص بذكره وزيارته والكون بضيافته، كما نقول في زيارته يوم الجمعة: (يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ هذا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ الْمُتَوَقَّعُ فيهِ ظُهُورُكَ وَالْفَرَجُ فيهِ لِلْمُؤْمِنينَ عَلى يَدَيْكَ وَقَتْلُ الْكافِرينَ بِسَيْفِكَ وَاَنَا يا مَوْلايَ فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ وَاَنْتَ يا مَوْلايَ كَريمٌ مِنْ اَوْلادِ الْكِرامِ وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالْاِجارَةِ فَاَضِفْني وَاَجِرْني صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ) (٦).
فمن الصباح حيث دعاء العهد والندبة وحتى غروب الشمس حيث دعاء زمن الغيبة الذي يستحب أن يكون المهدوي ممن يداوم على قراءته، والتأمل فيها ليستقي من فقراته العَبرة والعِبرة.
بالنتيجة نصل إلى إنه كما لهذه الأدعية ميزات تَمدنا على المستوى النفسي والوجداني والمعرفي والعملي للتقرب منه (صلوات الله عليه وسلامه)، فلهذه السورة فوائد وميزات شأنها شأن هذه الأدعية والزيارات، فهي تزيد من ثبات المنتظرين له؛ وبها بشارة للمؤمنين به، وانذار للحذر من الانحراف عن ولايته وهداه (عجل الله تعالى فرجه) التي هي ولاية الحق وهدايته، وبواعث الأمل ونفحات ترطيب القلب المرتبط بالحق.
بل ومن خلال كوننا ضيوف عنده (عجل الله تعالى فرجه) هو سيكرمنا بأنوار آيات هذه السورة، ويهب لكل مداوم على تلاوتها والمتدبر بها مزيدًا من الهدى والثبات، فكما تبين أن من آثار تلاوتها العصمة من الذنوب، وبلوغ الشهادة في الخاتمة وهذه أقصى غايات المنتظرين بأن يحافظوا على أنفسهم نقية طاهرة، ليبلغوا الشهادة بين يدي الإمام (عجل الله تعالى فرجه).
اضافةتعليق
التعليقات