عندما تأخذ جولة سطحية عن الموضوع في غوغل أو تويتر وتقرأ ما كُتب عنه من احصائيات ستندهش حقا من تصنيف الاكتئاب ضمن الأمراض التي تتصدر قائمة أمراض العصر، وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية في 2017 بأنه من الأمراض المتوقعه أن تحتل المرتبة الثانية عالميا في عام 2020.
أما عندما تقرأ ما كتبه البعض عن تجاربهم معه، ستندهش بأنك تعرف هذا المرض جيدا، وتستشعر أعراضه -كلها أو بعضها - بالكثيرين حولك وحينها تتيقن بخطورة انتشاره حقا، إنه سرطان لكن من نوع مختلف يفتك بالروح ويميت صاحبه ببطئ تماما كما يفعل السرطان، نوبات من الثقل في الروح والنفس، الانسحاب من الحياة أو انسحاب الحياة منه، عدم الرغبة بفعل أي شيء لمدة غير معلومة، الابتعاد عن المناسبات والتجمعات، عجز التعبير عن العواطف بشكل واضح، كثرة النوم أو اضطراب تنظيم أوقاته، عدم الثقة بالنفس، التردد في اتخاذ القرارات، عدم تقدير الذات، وغيرها من الأعراض الأخرى التي تصل أشدها إلى الرغبة بإنهاء الحياة!.
لكن هل لاحظتم شيئا كما لاحظت أنا، من منا لا يملك واحدة أو أكثر من هذه الأعراض، أو من منا لم يمر بفترة اجتمعت عليه أغلبها لكنها فترة ويجب أن تمضي أليس هكذا نقول؟! يجب أن نعمل ونسعى من أجل أن نتعداها.
لكن هناك من يعلق بها ولا تمضي منه وتتطور الحالة إلى مراحل قد تصل أشدها إلى الانتحار، وما سمعناه وشهدناه من هذه الحالات الكثير.
تقول رضوى عاشور: "حين اشعر بنفسي ثقيلة أعرف أني على مشارف نوبة جديدة من الاكتئاب".
هذا يعني أنه مرض يمر بيننا ونتراوح معه لا شعوريا، إنه من الأمراض الصامتة التي لن يظهر تشخيصه إلا بعد أن تصرخ أعراضه بكل وضوح في حاملها، منه ما يكون بشكل نوبات قصيرة تُثقل بها النفس بين فترة وأخرى، وأخرى تطول ويصعب الشفاء منها..
وهناك أكتئاب الفصول واكتئاب ما بعد الولادة يصيب بعض الأمهات بنسبة 10-15 امرأة من كل 100 امرأة تضع وليدها..
كتبت إحداهن عن تجربتها مع الاكتئاب شيئاً أثّر بي كثيرا:
"لا تبدو الأمور من هنا كما تبدو من هناك، إن كنت ترى أنني مجرد مصابة باكتئاب لا تعرف عنه غير أن صاحبه مر بظروف فأحزنته وأنه ضعيف الايمان بالله، فأنت مخطئ بلا شك، أنا يا صديقي جثة تعيش الفصول الأربعة في خمس دقائق، سيدة فقدت كل ما تملكه في ثوانٍ، أنا كل المحزونين في أرض الله الواسعة، متشردة نازحة لاجئة لبلد فيه كل شيء إلا الحياة الطبيعية.
ثم تأتيني صديقة مقربة تشكو غيابي، وأخرى تلوم إهمالي وعدم الرد على الهاتف، وصديق يتذمر من تأجيلي للقاء كان سيجمعنا، وأختي تغضب لأني لا ألتزم ببرنامج الاستيقاظ المنتظم، ويتوغّر صدر خالي لعدم التزامي بالزيارة، وأطرد من نادي القراءة، وأمنع من حضور دروس الخط لأني متهاونة في الحضور.
المخفيُ في أعماقنا لا أحد يعلمه، حين تعتذر عن لقاء سيطالبونك بالعذر المقنع، ستضطر إما للكذب أو للصدق، وكلاهما سيء".
تشعر بأن أبسط الاشياء تكون مصدر حزن كبير، وكأنهم كانوا يخوضون معركة لم يتبقَ لهم بعدها أي مخزون طاقة للاحتمال.
يقول سيغموند فرويد: "الاكتئاب ليس علامة ضعف، بل هو اشارة محاولتك أن تكون قوياً لفترة طويلة".
هناك أسباب إجتماعية ونفسية وبيولوجية ووراثية للاضطراب، وغالبا يسبق الاكتئاب أحداث وأمور ضاغطة. يعتقد بأن الحزن والبكاء ومشاعر الفقد للحب يبدأ من الطفولة، فيؤثر الرفض الوالدي وأساليب المعاملة الخاطئة أو الانفصال عن أحد الوالدين وما يرتبط بها من غياب الحب والأمان النفسي وتوليد مشاعر الوحدة والعجز، من الممكن أن يتعرض الأطفال من ذوي صعوبات التعلم له بسبب المشكلات التكيفية كنتيجة للإهمال والإعتداء البدني والجنسي والعجز عن حماية أنفسهم.
والمراهقون عرضة للإكتئاب بسبب الظروف الاجتماعية عند تعرضهم لسوء الفهم والقسوة واللامبالاة والعتاب المفرط والفشل، كما يتعرض المسنون للإكتئاب بسبب التقاعد المبكر وفقد الشريك والأصدقاء وتدهور الصحة والاعتماد على الآخرين.
وقد يصيب الإكتئاب المرأة عند الولادة أو انقطاع الطمث، وأيضا المرأة المعنفة معرضة للإصابة به.
إضحك بصوتٍ عال إذا إبتهجت، وإبكِ بلا حياء إذا أهمّك شيء وأشكِ همك لمن تستريح إليهم، وإن لم تجد فأكتب ذلك على ورق، أو سجله فيديو واستمع اليه لاحقا، حرّك همومك باستمرار لتكتشفها وتتخلص منها بإحدى الطرق، إياك وأن تبقيها راكدة بل أخرجها من صدرك مع هواء زفيرك، دعها تتحرر لتتحرر أنت بها، صلِّ بحب ومارس الرياضة وأفعل كل الأشياء التي تبهجك.
واحرص على أن تبقي في جيبك ورقتيك الرابحتين دوما المحبة والتسامح ولاتثقل قلبك بأحد..
عش حياتك بإعتدال ولا تسرف بالتفكير في المستقبل أو استحضار الماضي على حساب الحاضر، ولاتدع بذرة اليأس تخرق سفينتك لأن مياه العالم كلها لن تغرق السفينة مالم يتسلل الماء إليها من الداخل..
فكل ذلك من شأنه أن يجعلك بمنأى عن الاكتئاب والضيق وأمراض القلب والشرايين وغيرها
ويبقيك في أحسن حال..
اضافةتعليق
التعليقات