في محاق الكلمة، يرتكز محور المعنى فيها وتجسدها حروف الوجد بإمعان، القصة عندما تبدأ، يخفق نبض الوتر ليعانق شرنقة القصد، ويتكلم الوجدان عن آثار الظليمة، وبوح الصدى الخافق بين ذراعي أمة الضمير.
لأن المجتمع، أحد أركانه وواحة التجربة فيه أن الإنسان ساحته التي يختبر فيها،
في خافق الأيام يتعين على كل من ارتقى سلم التأهيل أن يناغم أبجدية الثقافة، وعمود المعرفة لتكون له يافطة الغد المتكلم بعقله ومايؤمن به.
شريطة أن يخاف قلمه من بعثرة المراوغة، ويلوح إلى حق الكلمة وقواعد الحقيقة..
ولنعرف، أن أحد أبرز المحاور المهمة والتي تستجاب فيها شراع نحو طريق الخلاص، هي ما آلت إليه رسالة السماء، الداعية إلى خلق القلم الحر بحق أصدق المشاعر وأنبل الشخوص، متكلمة بعمرها الوارف، وأثير موجها الصاعد خلقا لتغيير مسار قد انحنى وظل قد انمحى.
إلا أن البشرية أغلقت على نفسها معارف.. ولبست ثوب الهون، ودفعت ب طاولة المناقشة، حدر التهور والتهاون.
أي أمة هذه التي عارضت الحقيقة، ورفضت الطاعة لقلب الرحمة إلى غموض، وجعلت كتاب الله رهن مخيلتها.. إن هي إلا أمة هوجاء، تخالف الواقع لتعيش حلما بدون حياء.
استقراء الحاضر، يشير لنا، كمية الثمن الذي دفعت وسوف تدفع جراء انحرافها، وذوبانها وحل التردد واللامبالاة.
لقد فقدت أمة الإسلام أرجوزتها، لأنها تخلت عن الاستقامة علنا وفضلت سكوتها وتمادت على باب الرسالة، وكشفت عن غضبها وسورة نشازها.. حتى أودى ذلك إلى ذبح الإمامة في مهدها وهي في رحم النبوة، والجرأة على بنت نبي الله محمد عليه صلوات الله وايجاز طلبهم برفض الولاية والوصاية وقطع الوتين والخلود إلى سيف المقاطعة، للحؤول دون إحقاق الحق لأهله..
وقد أدرك القلم من سيدة النساء وفرة الكلمة فيما أشارت في الخطبة الفدكية..
(فلما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة (حسيكة) النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم.
هذا والعهد قريب والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لمّا يُقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم)، (وما أدراك ما فاطمة..)
لكل حادث قيامة.. وفي فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حديث لا ينتهي.. سيدة تجتمع في رحاها أقلام الأنبياء، وعلم النبوة ووفاض الأئمة..
السيدة الزهراء، معجزة الماضي والحاضر، أبدا لن تقارن، لأنها آية النور، انفلقت فكان منها نور كل الأئمة.
في الحقيقة، يتعثر رضاب القلم لذكر محاسنها، وجمال حضورها، عن إعطاء حق تلك المكنونة الوضاء، هل هو الضعف أمامها، أو محدودية العقل وضعف القدرة لاحتواء شخصها؟!
في الواقع، يقف البنان إذعانا لصوت الحقيقة، إلى أن الزهراء البتول سر الله، فلا يجرأ أحد مقاضاة سره، وقد خص الله سبحانه بأسرار كثيرة.
ما أعظمك سيدتي! وما أعظم سرك!
وهي التي قالت: اعلم يا أبا الحسن أن الله (تعالى) خلق نوري وكان يسبح الله (جل جلاله) ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت فلما دخل أبي الجنة في الاسراء والمعراج فأوحى الله إليه إلهاما أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وادرها في لهواتك, (أي يعني امضغ هذه الفاكهة جيدا ثم ابلعها)..
أوحى الله تعالى إلهاما أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل فأودعني الله سبحانه صلب أبي صلى الله عليه واله ثم أودعني خديجة بنت خويلد) عليها السلام (فوضعتني وأنا من ذلك النور أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن إلى يوم القيامة).
الزهراء وخطاب الحاضر
قد يتبادر إلى ذهن المتلقي عدة قضايا، منها مايخص المبدأ، وأخرى واقع حال المجتمع ومدى ارتباطه بقيمه..
وعلى ضوء التناقضات الدخيلة، وأثرها الظاهر في سلوكيات المجتمع المسلم.. نرى هناك من يسعى لتحجيم دور القيم السامية، وتبرير موقفها بفتنة الحاضر وإيجاز القدرة بالشكل الذي يخدم ومصلحة الذات.
مع أن الدين ركز وبشكل واضح ومتكامل إلى دور قيمة الثوابت وأثرها في استقرار المبدأ وسلامة البنية وعمق الالتزام وصلة الوصل بين الهدف وتحقيقه.
لذا فإن خطاب الحاضر، لابد وأن يرتكز على فضائل الكلمة، وعافية الدين، وروح الولاية وجملة الحوار الشاهد على كيفية التعامل الفرد الجمعي وشرائح الغد.
ونحن كمجتمع تأقلمت ضواحيه على اكتساب التجربة من عمق الحدث، يلزم علينا اتباع الخبرة ولزوم القدوة في كل خطوة نخطوها، لتكون نتائج الغد عميقة سليمة.
مولاتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها، في خطبتها الفدكية.. رسخت ذلك المعنى القائم على الحق، وكيف تتبلور سعادة البشر، وماهو سبيل نجاحه، وقد أدرك كل من عرفها أن لسان حالها يشير لكل البشر السابق منهم واللاحق دون أدنى خصوصية وعلى وجه عام، ودليل قولها هو الحكم..
(أيها الناس، اعلموا أنّي فاطمة وأبي محمد (ص)، أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تُعزوه وتعرفوه، تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمّي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه (ص).
لابد من العمل بواقعية الضمير، ليكون الخطاب ملما بكل أبجدية العلم والحديث جملة وتفصيلا.
اضافةتعليق
التعليقات