امتلك العراق أفضل الأنظمة التعليمة في المنطقة، ولكن عقوداً من الصراع وقلة الاستثمار أدت إلى تراجع في نتاج التعلم فمن بين كلّ مدرستين حكوميتين، تحتاج مدرسة إلى إعادة تأهيل، فضلاً عن اكتظاظ الصفوف الدراسية بالتلاميذ، والنقص الكبير في أعداد المعلمين، يبلغ متوسط حجم الصفوف الدراسية في معظم المدارس العامة 60 طالبا للمعلم الواحد، كما أن تعدد الدوامات (في المدارس المزدوجة) يعني انخفاض اليوم الدراسي إلى ثلاث ساعات من التعلم، قبل أن يقوم التلاميذ بإخلاء المبنى.
أصبح التعليم بالنسبة للطفل العراقي كفاح في الوقت الحالي في ظل هذه الظروف، في مسح أجرته اليونيسف مؤخرا أن 54٪ من الأطفال من الخلفيات الاجتماعية الفقيرة لا يكملون تعليمهم الثانوي، وينتهي بهم المطاف في سوق العمل غير الرسمي، فيصبحون عرضة للإساءة والاستغلال.
مصير المجهول
العراق حاله حال بلدان العالم التي تأثرت بموجة جائحة كورونا إذ بلغت فيه الاصابات أرقاماً عالية لأسباب عدة، هذه الأزمة انعكست على قطاعات كثيرة، منها ضعف الخدمات الصحية، وتدهور الأوضاع الاقتصاديّة حتى جعل الدولة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، لكن الجانب المهم الذي عانى الإهمال ولم توجد له حلول ومعالجات لغاية الآن هو الجانب التعليمي وكيفية تلقي ملايين الطلبة لدروسهم خلال هذا العام.
حالة من الارتباك والفوضى سائدة في أروقة وزارة التربية وزارة التعليم العالي، والقرارات التي تم اتخاذها قرارات ارتجالية، جعلت المؤسسات التعليمية غير قادرة على أداء مهامها، وتركت وحيدة تغرد بمفردها دون وضع آليات محددة لإدارة العملية التعليمية، فهي من جهة غير قادرة على الإيفاء بالشروط الصحية لمواجهة الوباء، ومن جهة أخرى ملزمة بقرارات وزارة التربية ووزارة التعليم العالي.
وزارة التعليم العالي يبدو أنها قد حسمت أمرها، وتركت الأمر إلى الجامعات في وضع آلية التدريس التي يبدو أنها لا تختلف عن آلية العام الماضي، عن طريق التعليم الالكتروني باستثناء بعض المراحل، وهي طريقة أثارت الكثير من الانتقادات، سواء في أسلوب إيصال المعلومة، أو حجم النجاح في المراحل الدراسية، مما يضع كثيرًا من علامات الاستفهام حول المستوى التعليمي المتدني لكثير من طلبة الكليات والمعاهد.
يعبر البعض بـ-الكارثة الكبرى- في وزارة التربية، وفشلها الكبير في اتخاذ قرار التعليم من عدمه لهذا العام، ورمت كل فشلها على خلية إدارة الأزمة الحكومية، فهي قررت أن يكون الدوام في المدارس ليوم واحد في الأسبوع لكل مرحلة! رغم أن هذا اليوم كاف لانتشار الوباء وبالتأكيد لا يكفي للتعليم، أعداد الطلبة كبيرة ولا تكاد الصفوف المتهالكة تستوعبها، وأغلب المدارس تعاني من نقص في كوادرها التدريسية، ونقص في الكتب، ولا تتوفر الشروط الصحية في بعض المدارس الحكومية، فلم يتم توفير المستلزمات الطبية والمعقمات وإن وجدت فهي من المعلمين أو التلاميذ.
التعليم عن بعد سيخلف جيلا جاهلا أو غير متعلم في العراق
بحسب ذي ناشيونال البريطانية تواجه العمليّة التربويّة في البلاد، مشكلة مركبة، جديدة قديمة، جراء فايروس كورونا الذي اضطر وزارة التربية إلى اعتماد التعليم عن بعد، وتتجسد المشكلة المركبة في ان مئات آلاف الأطفال، إن لم يكونوا بالملايين، لن يمكنهم تلقي التعليم لأن دخول وايرادات ذويهم ضعيفة، لا تمكنهم من توفير مستلزمات التعليم عن بعد، والمتمثلة بالحواسيب الالكترونية، والهواتف الذكية، وخط الانترنت الثابت، ويشمل هذا الأمر الأطفال في مخيمات النازحين، وكذلك الأطفال المستقرين في بيوت ومدن لم تطلها الحروب، لكن ضعف حال ذويهم، يحول دون تلقيهم التعليم.
وعلى الرغم من أن التقرير لم يتضمن أطفال البيوت والمدن المستقرة، إلا أن ما جاء فيه يرسم حدود هذه المشكلة بنحو دقيق وللنوعين، وأفاد التقرير بأن الآلاف من الأطفال النازحين في العراق لا يحصلون على فرصة التعلم عن بعد، فيما قالت مؤسسة خيرية أن الدولة العراقية تخاطر بوجود جيل كامل من الأطفال المتخلفين بشكل مزمن عن التعليم.
وذكر التقرير أن "الأطفال الاكثر ضعفا في العراق يواجهون تحديات التعليم عن بعد والتي تعمل على توسيع فجوات التعلم في البلاد، بحسب ما قال المعلمون في مخيمات النازحين" وذكرت دراسة أجراها المجلس النرويجي للاجئين أنه "ومنذ تفشي جائحة فايروس كورونا هذا العام أغلقت آلالاف المدارس أبوابها في البلاد تاركة 10 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 17 عاما من دون تعليم".
وأضاف أن "الدراسة التي أجريت على 6000 طفل أن حوالي 83 بالمائة من الأطفال في المخيمات في جميع أنحاء البلاد لم يتلقوا أي نوع من التعليم منذ شهر نيسان الماضي، مما دفع بالمنظمة إلى التحذير من أن جيلًا بأكمله قد يكون غير متعلم بشكل مزمن نتيجة للأزمة"، وقال أحد المعلمين من مخيم حمام العليل في جنوب الموصل "كان لتفشي الوباء تأثير كبير على قطاع التعليم في العراق غالبية
الطلاب الذين يعيشون في مخيمات النازحين لم يحصلوا على تعليم يذكر منذ شهر نيسان الماضي".
وأوضح أن "المخيم كان مليئا بالتلاميذ ونعاني من نقص في الموظفين وقد بدأ الآن التدريس عبر الإنترنت، لكننا نعاني من أجل الوصول إلى الطلاب، فقد تغيرت أساليب التدريس تماما، فقد كنا نقوم بتدريس 50 طالبًا دفعة واحدة، الآن عليّنا التأكد من أن كل واحد منهم ينتبه ويفهم الدرس وهذا أمر صعب".
10 ملايين طفل عراقي حُرموا من التعليم
أظهرت دراسة أجراها المجلس النرويجي للاجئين أنه منذ تفشي وباء كورونا المستجد في شهر فبراير/شباط الماضي، تم إغلاق آلاف المدارس في العراق، مبينة أن ذلك أثّر على أكثر من 10 ملايين طفل في أنحاء العراق بأعمار تتراوح بين 6 إلى 17 عاما تم تركهم بدون تعليم، ويشير المجلس النرويجي إلى أنه بعد 7 أشهر من إغلاق المدارس بسبب فيروس كورونا.
وأظهر مسح أجرته منظمة الأيادي الحنونة للمساعدات الإنسانية فرع العراق خلال فصل الربيع أن نسبة 83% من مجموع 6305 أطفال تم إجراء استطلاع عليهم في معسكرات النازحين، لم يتلقوا أي نوع من أنواع التعليم المدرسي، وفي تقييم أجراه المجلس، كشف أن ثلث العوائل التي تم استطلاعها في أنحاء العراق ليست لديهم هواتف ذكية أو اشتراك بإنترنت.
وأظهرت دراسة أجراها المجلس أن العراق جاء في الترتيب الثاني ضمن ارتفاع معدلات الكرب والضيق بين الأطفال النازحين عبر الشرق الأوسط، فقدان التعليم جاء في الترتيب الثالث كأكثر قلق ينتاب أطفال العراق بعد قلقهم باحتمالية الإصابة بالفيروس أو إصابة واحد من آبائهم أو أحبائهم، بحسب العين الاخبارية
أرقام بلا أهداف
- رياض الأطفال عدد مدارسها بحدود 978 روضة وعدد طلابها بحدود 180 ألف وعدد معلماتها بحدود 7500 بنسبة 24 طالب للمعلمة الواحدة.
- الابتدائية عدد مدارسها بحدود 13 الف مدرسة وبعدد شعب تصل إلى 140 الف شعبة ، وعدد طلاب بحدود خمسة ملايين طالب وعدد معلميهم بحدود 250 ألف معلم أو معلمة وبنسبة 20 طالب للمعلم (ة) ، وبنسبة 385 طالب في المدرسة أو 36 طالب في الصف.
- الثانوية ( متوسطة واعدادية) عدد مدارسها بحدود 6200 مدرسة بعدد شعب يصل إلى 65000 الف شعبة وعدد طلاب موجودين بحدود ثلاث ملايين طالب، وعدد مدرسين ومدرسات بحدود 145 ألف مدرس ومدرسة، وبنسبة 21 طالب للمدرس (ة) ، وبنسبة 483 طالب في المدرسة أو 46 طالب في الشعبة الواحدة.
نتائج هذه الأرقام توضح بأن هناك خلل واضح في أعداد المعلمين والمدرسين نسبة للطلبة والتي معدلها الحالي في العراق بحدود 21 طالب للمعلم أو المدرس الواحد بينما إن أفضل الدول في العالم تكون نسبة الطلبة إلى الكوادر التدريسية تصل إلى 10 ( سان مارينو 1 / 6 ، الكويت وكوبا ولكسمبورغ 1 / 9 ، السويد ايسلندا وبولندا 1 / 10 ، عمان والسعودية والاردن 1 / 12).
وأيضاً توضح هذه الأرقام أن هناك خلل ونقص واضح في عدد المدارس وخاصة في المرحلة الثانوية وشيء أقل منها في المرحلة الابتدائية حيث يصل معدل الطلاب في العراق للمدارس الاعدادية إلى أكثر من 46 طالب في الشعبة الواحدة وفي المدارس الابتدائية إلى أكثر من 36 طالب في الشعبة بينما المعدل المتوسط الذي يفترض أن يكون هو من 24 الى 32 طالب في الشعبة الواحدة، لذلك يحتاج العراق إذا أراد أن يبدأ في الخطوة الأساس لبناء مجتمعه بناءً علميا وتراكميا إلى توظيف بحدود 250 الف معلم ومعلمة ومدرس ومدرسة في المراحل الابتدائية والثانوية حتى يصل إلى المتوسط الذي يمكن أن يكون فيه التعليم ذات ناتج ايجابي للمجتمع.
ويحتاج أيضاً إلى بناء بحدود 6000 الاف مدرسة أو 80 ألف شعبة جديدة لنصل الى المستوى المقبول في توفير البيئة الملائمة في التدريس والتربية والتعليم (نسبة الزيادة السنوية للطلبة 5% يعني نحتاج بناء 300 مدرسة جديدة سنوياً)، بحسب .iac-iraq.com
2000 مدرسة طينية في العراق
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) في مايو 2019، عبر بيان لها أن 50% من المدارس "بحاجة إلى التأهيل والترميم"، وأشارت إلى أن نقص "المدارس والكوادر التربوية والتعليمية في العراق أسفر عن ازدحام الصفوف المدرسية بالتلاميذ، ويعاني الأطفال من أجل التعليم، حتى اضطر العديد منهم إلى ترك الدراسة".
أفاد مصدر خاص "ارفع صوتك" أن عدد المدارس الطينية في العراق تجاوز 2000 منتشرة في المناطق الجنوبية، مثل ذي قار والبصرة والعمارة والمثنى والقادسية والنجف، فضلاً عن محافظات شمالية كديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى، يدرس فيها أكثر من 20 ألف طالباً، ويخصص العراق سنوياً مبالغ طائلة للقطاع التربوي من الموازنة العامة للبلاد، عدا عن التخصيصات الأخرى التي يقدمها برنامج تنمية الأقاليم لتطوير القطاع التربوي والتعليمي، ففي ميزانية عام ٢٠١٩ بلغت التخصيصات لوزارة التربية نحو مليار و٥١٢ مليون دولار.
وكان وزير التخطيط العراقي نوري صباح الدليمي، قال في يوليو الماضي إن "عام 2020 سيشهد نهاية ملف المدارس الطينية، واستبدالها بمدارس قادرة على توفير الظروف المناسبة للتعليم"، معلناً عن تخصيص الوزارة لنحو 45% من موازنة برنامج تنمية الأقاليم لتحسين قطاع التربية والتعليم، وهذه النسبة تعادل مبلغ تريليون و168 مليار و492 مليون دينار عراقي، ويؤكد مختصون في القطاع التربوي أن الحكومة لم تخط أي خطوات فعلية حتى الآن لإنهاء هذا الملف، بحسب موقع ارفع صوتك.
ستحل مشاكل التربية والتعليم وسيسد النقص الحاصل في الملاكات التعليمية ستختفي المدارس الطينية ويكون التعليم بالمستوى المطلوب! لم يتحقق أيّ من ذلك وها هو عام 2020 غادرنا والوضع إلى الأسوأ.
اضافةتعليق
التعليقات