جاء الاسلام ليحض المسلمين على التعارف والتزاور وإظهار الود لبعضهم البعض ولغيرهم من الناس.. كما أنه أرسى الكثير من القواعد و الآداب المهمة في أسس الاتصال والتواصل بين الفرد ومن يحيطون به أو يتعامل معهم، وهذه الآداب إنما تعبر عن روحه السمحة وتفرده بقيم أخلاقية عالية، ويبدو هذا جلياً في الكثير من آيات القرآن الكريم التي تحث المسلم على حسن المعاملة.
قال الله سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ،
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
وقد بعث سبحانه لنا قدوة نقتدي بها و نتعلم منها التصرف الصحيح و النهج القويم حيث قال في كتابه الكريم: لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فما كانت أفعال رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة إلا تجارب عملية وفنوناً في كيفية التعامل مع الآخرين.. قريبهم وبعيدهم، صغيرهم وكبيرهم، رجالهم ونسائهم، غنيهم وفقيرهم، مسلمهم وغير مسلمهم، ليقتدي الناس بهم فيحيوا حياة هانئة.
قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و آله:
إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق،
وقال أيضاً صلى الله عليه وآله: أقربكم مني مجلساً في الجنة أحسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافهم الذين يألفون و يؤلفون،
ومن وصية للإمام علي عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.
و قال الإمام الصادق عليه السلام: إنه لابد لكم من الناس إن أحدا لا يستغني عن الناس حياته والناس لابد لبعضهم من بعض.
ولحكمة عند الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين:
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا،
فالبشر كطرفي المغناطيس لابُد أن يختلفوا ما بين سالب وموجب حتى ينجذبوا لبعضهم البعض. ونظراً لهذا الاختلاف يجب أن نتعلم كيف نتحدث ونتعامل مع الآخر، فلكل واحد نقابله في حياتنا طباعه الشخصية التي جُبل عليها وهناك العادات التي تربى من خلالها وكذلك البيئة التي أفرزته؛ لذلك قال (صلى الله عليه و آله وسلم): خاطبوا الناس على قدر عقولهم، و ربما أختلف مع شخص ما لكني لابد أن أحترمه و أحترم رأيه مهما كان. والمسلم المتمسك بكل اسلامه لا بد بفطرته السليمة وتمسكه الواعي أن يُحسن التعامل مع غيره وأن يؤثر فيه ببساطة.
ومن واقع فهم روح الاسلام نجد أن هناك أموراً ينبغي مراعاتها أثناء الاتصال والتواصل مع الآخرين، نذكر منها:
•أن يتحدث الانسان بالصدق دائماً، وأن يتحدث عندما يستدعي الأمر ذلك، ويكون كلامه واضحاً وبيّناً.
•ألا يتحدث المرء إلا فيما يعنيه أمره، وألا يتضمن حديثه غيبة أو نميمة.
•التحدث بأدب وبصوت مسموع وبلغة واضحة والابتعاد عن الصوت المرتفع أكثر من اللازم.
•التحدث بالحق والعدل إذا احتكم للمرء أشخاص آخرون.
•إبداء الاهتمام والإصغاء لأحاديث الآخرين، وأن يكون المسلم هشاً بشاً في وجه أخيه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «المؤمن بِشْرُهُ في وجهه، وحُزنُه في قلبه». و البِشْر بالكسر: طلاقة الوجه وبشاشته، أي بِشْره في وجهه تحبّباً إلى النّاس، وحزنه في قلبه اصطباراً على مكاره الدنيا وشدائدها (مجمع البحرين).
•التحدث بحديث موجز ومختصر وفي الموضوع مباشرة وبمنطق قوي.
•عدم المبالغة في الثناء والمديح بما يؤدي إلى النفاق و إنما يجب الاعتدال في الأمور.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: أَحبِبْ حَبِيْبَكَ هَوْنًا ما، عسى أن يكون بَغِيضَكَ يَومًا ما، وابْغِضْ بَغِيضْكَ هَوْنًا ما، عسى أن يكون حَبْيِبَكَ يومًا ما.
فن الاتصال
مفهوم الاتصال:
الاتصال هو عملية تبادل الأفكار والمعلومات من أجل إيجاد فهم مشترك، هو نقل فكرة أو معلومات ومعان (رسالة) من شخص (مرسل) إلى شخص (مستقبل) عن طريق معين (قناة اتصال) تختلف باختلاف المواقف.
وقد تصل الرسالة واضحة ويفهمها المستقبل فهما صحيحا ويتقبلها ويتصرف حيالها حسب ما يتوقعه المرسل، وتعتبر عملية الاتصال في هذه الحالة ناجحة. وقد تصل الرسالة مبهمة ومشوشة إلى المستقبل لا يفهمها أو لا يتقبلها ومن ثم لا يتصرف بالنسبة لها كما يرجو المرسل، وفي هذه الحالة فإن عملية الاتصال تعتبر غير ناجحة، وربما لا تصل الرسالة على الاطلاق لسبب أو لآخر أو قد تصل ناقصة.
ولكن من الممكن أن يتحقق المرسل من نتيجة رسالته عن طريق (ارجاع الأثر) أو ما يسمى أحيانا (التغذية المرتدة) والمقصود بذلك أن يحاط المرسل علما بما يترتب على رسالته من آثار عند المستقبل وحيث تشير الدراسات إلى أن إرسال رسالة واحدة يعني أن هناك على الأقل ست رسائل مختلفة ضمنية وهي:
•ماتعني قوله.
•ما تقوله فعلا.
•ما يسمعه الشخص الآخر.
•ما يعتقد الآخر أنه يسمعه.
•ما يقوله الآخر.
•ما تعتقد أن الشخص الآخر يقوله.
و إذا كان الاتصال والتعامل مع الآخرين فنا يعني أن عنصر الموهبة له أثره، إلا أن هناك بعض المهارات التي يمكن تعلمها والتدريب عليها حتى تصبح عادة لا شعورية بعد مرحلة من الزمن.
اضافةتعليق
التعليقات