السير في الطرقات يفسح لك مجالا للتعرف على ما موجود في البيئة المحيطة بك، من ثقافة أو آفة، ومواقف تُرسم أمامك، هذا التمعن عن قرب يجعلك قادرا على دراسة هذا المجتمع وتكوين صورة عنه الإيجابية والسلبية أيضا، ثم تدونها في تفكيرك لتخرج بمعالجات لك أنت شخصيا قبل الجميع وبالتالي تحصلُ على لبنة جديدة تُضاف لك.
في أثناء سيري وأنا عائدة من العمل رأيتُ مجموعة من الأطفال وهم يلعبون كرة القدم في إحدى الحدائق، تأملت فيهم والزمن أعادني أيضا إلى ذكريات وردية ربما هي هانئة!.
وبدأتُ أخوض في الحديث ترى ما مستقبل هؤلاء الأطفال وكيف يديرون حياتهم وتعددت الأسئلة في هذا الإطار ولم أبتعد عنهم كثيرا حتى سمعتْ سيل الشتائم التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي أسْتُفتْ من برامج تلفزيونية وأختها برامج اليوتيوب وغيرها، اتجهتُ إليهم لأسال ما إن كانت هناك مشكلة ما وسبب هذه الكلمات فتبين لي أنها حتى في غير موقعها عندما أجابني أحدهم "أننا نمزح"!.
المزاح: هذا العالم المريح الذي يخرجك من همومك لبرهة وتعلو له الوجنتين وتزين الابتسامة الوجه، وغيرها من المعجزات الحقيقية التي يصنعها المزاح في تغيير حالة الانسان من السلبية إلى الإيجابية، فالمؤمن معروف بأنه (هش بش) وفي الحديث جاء (مزاح المؤمن عبادة) والحديث الآخر: (من أدخل على مؤمن سروراً فرح قلبه يوم القيامة)، فتدخل الدعابة أيضا في باب العبادة، لكن في الوقت ذاته له جانب مظلم يستطيع الأنسان أن يسيره لأذية الناس بقصد أو بدونه.
وعندما تبحث عن المزاح في سيرة الرسول تجد الكثير منه لكنه مشروط وفق ضوابط محددة يمكن الإعتداد بها حتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يُعرف بوجهه المبتسم وبمزاحه الجميل لكن كان يكثر من الإشارة بأنه يمزح ولا يقول إلا حقا، من كلمة حقا بإمكاننا تحديد قوانين للمزاح منها :
الكذب: المشهور بالمزاح كي لا يخلو من مواقف الاضحاك، وما يُعرف بالكذبة البيضاء وغيرها من المُخرجات التي يخرج بها الانسان بمسوغ شرعي يغطي كذب مزاحه.
السخرية والاستهزاء: في الكثير من حالات المزاح الباطل يكون هناك ضحية مثلا شخص فقير لا حول له ولا قوة أو مريض أو ضعيف مقاما يقوم هذا المازح بالاستهزاء به والاستخفاف لكي يضحك الاخرين وهذا الأمر يكاد أن يكون شائع فأكثر المجالس تشهد هذه الحالة المؤسفة ومثل هذا المزاح يفرز من كراهية وضغينة وحقد وتحطيم لنفسية هذا الانسان البريء على الرغم مما يظهره من ضحك لتحتيم الموقف ذلك إلا أنه بلا شك سيشرب في نفسه شيء من ذلك.
الاستهزاء بالمقدسات: قد يحلو للبعض أن يمزح بالمقدسات وهذا من أشنع أنواع الباطل فلا يكتفي بالمزاح عند حد حتى تصل النوبة أن يمزح في الله تعالى سبحانه وجل وعلا وفي أحكامه أو في أنبيائه عليهم الصلاة والسلام أو في الأئمة عليهم السلام أو القرآن وهكذا الحال في كل مقدس.
التخويف والترويع: قد يمزح البعض من خلال اخافة الآخرين وترويعهم كأن يمزح باستخدام الأسلحة أو أن يجفل الاخرين كالاختباء ليلا ورمي شيء على انسان أو اسماعه أصوات غريبة أو أن يمزح بالنار أو بالماء أو إخفاء متاع شخص مثل الهوية الشخصية أو المفاتيح وهذا هو ما يؤذي الاخرين.
الألفاظ البذيئة: ومن المزاح الباطل الذي يحوي ألفاظ سوقية بذيئة يستقبح ذكرها أو مواقف كذلك فيسعى البعض أن يضحك الاخرين من خلال هذا النوع من المزاح ولا يخلو من مفاسد.
الغيبة: البعض يمزح عن طريق التكلم على شخص غائب بالشكل الذي يضحك الاخرين سواء التكلم على دينه أو على دنياه أو على مرض يصيبه أو بأي صورة تتحقق الغيبة والضحك ولا خلاف في أن مثل هذا من الكبائر بل أحد أسباب ودوافع الغيبة هو السعي لإضحاك الاخرين أي المزاح.
التجريح والاغضاب: لربما يكون نوع من المزاح طبيعي لشخص ولكنه لبعض الأشخاص يعتبر غير طبيعي فتنجرح نفوسهم أو يغضبون فيكون هذا المزاح باطل بحقهم فينبغي أن لا يحصل هكذا فيه.
فالمزاح من المفترض أن يقنن ليكون وفق كلمة (حقا)، حتى لا يُظلم به أحد أو يؤثر على أحد وبالتالي يؤدي غرضه بصورة طبيعية.
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَحْتَمِيَ الْمَرِيضُ إِلَّا مِنَ التَّمْرِ فِي الرَّمَدِ فَإِنَّهُ نَظَرَ إِلَى سَلْمَانَ يَأْكُلُ تَمْراً وَ هُوَ رَمِدٌ فَقَالَ يَا سَلْمَانُ أَ تَأْكُلُ التَّمْرَ وَ أَنْتَ رَمِدٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ فَكُلْ بِضِرْسِكَ الْيُمْنَى إِنْ رَمِدْتَ بِعَيْنِكَ الْيُسْرَى وَ بِضِرْسِكَ الْيُسْرَى إِنْ رَمِدْتَ بِعَيْنِكَ الْيُمْنَى.
*
وسائل الشيعة ؛ ج12 ؛ ص113(
شرح الكافي-الأصول و الروضة ج11؛ ص224(
مجموعة ورام ؛ ج1 ؛ ص113(
اضافةتعليق
التعليقات