يحب الكثير من الناس حول العالم أن يعيشوا حياة منظمة بتنظيم دقيق جدا، وفق روتين واحد لا يتغير ابدا، وغالبا ما يكون هذا النوع من فئة الموظفين وأصحاب الأعمال الثابتة.
فتطغي الرتابة على حياة هؤلاء الناس، ولن يكون هنالك أي جديد في حياتهم، لأنهم يعرفون ما ينتظرهم من أعمال وأحداث لأنهم أعدوا له الوقت والتنظيم المسبق.
هؤلاء الناس بالذات لا يفسحون المجال للصدفة أن تلعب دورها في حياتهم، ومع بالغ الأسف التنظيم المفرط يصنع رتابة عالية ويقطع شريان الابداع لدى صاحبه.
كما أنه يقتل روح الاكتشاف عند المرء، وبالتالي يتعود الشخص على روتين واحد ولا يتقبل أية صدفة أن تخترق حياته ويكسر جدار التغيير في داخله، ومن الممكن أن يخسر الكثير من المصادفات المبهجة التي من الممكن أن تغير حياته نحو الأفضل، وبالتالي يكون قد ضيع سعادته على أثر ذلك إذ يقول (سير ألكسندر فلمينج) مكتشف الاستخدامات الطبية للبنسلين: "أحيانا يكتشف المرء ما لم يكن يبحث عنه".
ويشير (جون ادير) في كتابة أعظم 100 فكرة للأبداع الرائع إلى مصطلح السرنديبية التي ابتكرها "هوراس والبول" إلى انها تمثل ملكة اكتشاف الامور المبهجة غير المتوقعة عن طريق المصادفة. وفي خطاب ارسله الى صديق له في (28 يناير 1754) قال أنه صاغها من عنوان قصة خيالية اسمها "أمراء سرنديب الثلاثة" وسرنديب هو اسم قديم لسريلانكا، لأن الأمراء الثلاثة كانوا دائما يكتشفون دائما من خلال المصادفة والمهارة أشياء لم يكونوا يبحثون عنها.
إذا كانت السرنديبية تعني المصادفة واكتشاف أمور قيمة رغم عدم بحثك عنها بالفعل، يجب على المكتشف على الأقل أن يكون قادرا على رؤية الاحتمالات الإبداعية في اكتشافه.
ونجد أن اديسون كان يبحث عن شيء آخر عندما جاء بفكرة آلة نسخ الرسائل. لقد كانت لديه الفطنة ما يجعله يدرك أنه توصل إلى اكتشاف مهم وسرعان ما وجد استخداما له.
وإذا نظرنا قليلا إلى الوراء بالتأكيد سنجد اثار السرنديبية في حياتنا تمثلت على شكل مواقف غيرت مجرى حياتنا أو اشخاص مهملين التقينا بهم من باب الصدفة، ولكنا مؤمنون بأن كل الأمور التي تحدث هي تقديرات الهية، فكل الأشياء التي حدثت في حياتنا كانت بسبب ولسبب، ولكن فكرة السرنديبية هو أن نترك مقود التحكم بيد الله تعالى ونتفاءل خيرا بالآتي، ونفتح المجال للابتكار والابداع أن يأخذ حيزا من عقلنا بدلا من الروتين المعتاد، ونحفز عامل التغيير في حياتنا إلى أن يأخذ مساره دون أي خوف أو تردد مسبق.
يقول الكاتب إن المبالغة في التنظيم وتخطيط كل دقيقة في حياتك تعد أمرا معاديا للإبداع، فالفوضى غالبا ما تولد أفكارا وقد قال "الآن ألكسندر ميلن" مبتكر شخصية "ويني ذا بوه" إن من مميزات كون المرء غير منظم أنه يحقق باستمرار اكتشافات مثيرة". فلا تفرط في التحكم في عقلك.
ويشير الكاتب إلى أن السرنديبية تخالف قواعد التفكير الضيق الذي يركز فيه الذهن على مقصد أو هدف واحد فقط، ويستثني غيره، فالسرنديبية لديها نطاق انتباه يتسع لملاحظة أمر مهم حتى لو بدا غير مناسب أو عديم الفائدة لك في الوقت الحاضر.
إن الأمراء الثلاثة في قصة (والبول) كانوا مسافرين، والمستكشفون في المجهول غالبا ما يتوصلون إلى اكتشافات غير متوقعة، وكما يعلم طلاب المدارس فقد كان كريستوفر كولمبوس يحاول اكتشاف طريق بحري جديد إلى اسيا عندما اكتشف العالم الجديد، واعتقد أنه وصل إلى الهند، ولهذا السبب أطلق على السكان الأصليين هناك ايم الهنود.
وعندما تسافر "فعليا أو مجازيا" يجب أن تفعل ذلك متحلياً بعقلية سرنديبية وهذا يعني أن تتوقع غير المتوقع، حقا قد لا تكتشف أمريكا، لكنك ستجد اكتشافات سعيدة وغير متوقعة.
أثناء التفكير تكون دائما مسافرا ذهنيا وهذا يعني أنك في رحلة، لأن التفكير الحقيقي عملية لديها اتجاه أو هدف. وقد لا تكون دوما على علم بالوجهة التي تذهب اليها، لكنك تعلم أنك تحاول أخذ نفسك والأخرين الى الامام.
ابحث عن الأفكار غير المتوقعة مهما كانت تحول في خاطرك بوفق، فأحيانا يكون الطريق الذي لم تتوقع وجوده أو الفكرة الطريفة التي تجلت أمامك أكثر مكافأة من الطريق الذي رسمته لنفسك مسبقا.
وقد تزيد نزعة السرنديبية لديك إذا كان نطاق انتباهك واهتمامك واسعا، والأهم من ذلك أن يكون لديك عقل متفتح وقدر من الفضول.
إن تطوير قدراتك على التفكير الإبداعي قد يكسبك بعض المكافآت لكنها ربما لا تكون المكافآت التي توقعتها، فلا ترفض الهدايا غير المتوقعة أو تصر دائما على أخذ ما تريد.
اضافةتعليق
التعليقات