من ميزات القائد أن يكون ذات شخصية قوية، وقد عرف مفهوم الكاريزما هي كلمة إغريقية الاصل وتعني هبة السماء أو هدية السماء وكذلك تعني سحر الشخصية والجاذبية العارمة لها، أو قد يطلق عليها الشخصية القوية وفي قاموس (وبستر) تعني القوة الفائقة.
أما المعنى الاصطلاحي فهي تعني تلك الشخصية التي تمتلك مؤهلات وصفات تجعل الاخرين ينجذبون إليها ويقتنعون بأدائها حتى لو لم يكن الشخص رئيسا فالكاريزما تعني الجاذبية الرائعة.
ومن الواضح في مسيرة الامام علي (عليه السلام) انه كان قويا ذو جاذبية يملك الخبرة والحنكة القيادية والعسكرية وتجعله متميزا عن غيره، وعلى أساس هذأ المبدأ نجد في عصرنا الحالي الكثير من الزعامات والرؤساء يحاولون كسب رضا وود الجماهير بقضايا مادية من أجل اكتساب محبتهم، ومع ذلك فقد لا يصلون لهدفهم، فالارتباط بين الأطراف يجب أن يبنى على عدة عوامل منها الفكرية والعاطفية والسلوكية وليست مادية فقط.
ولا نبالغ إذا قلنا بأن الباحث في شؤون العلاقة بين القائد والرعية قد لا يجد مثالا أوضح من شخصية أمير المؤمنين (عليه السلام) في تعامله مع رعيته، حيث كان حبه عجيبا وملفتا للنظر مع قواعده الجماهيرية فقد ملك القلوب قبل العقول من خلال ما عاشروه وعرفوه من بشاشة وجهه ورحمة قلبه وتحننه وتعاطفه ولعله الوحيد الذي لم يعثر له شانئوه على مثلبة يعيبونه بها بل كان يستطيع أن يكسب قسما آخر ممن لم يرضوا به (عليه السلام) وبمبادئه وقيمه.
ولكن أبت نفسه الكريمة أن ترضخ لاهوائها لذلك نجده يقول (يا أهل الكوفة أتروني لا أعلم ما يصلحكم؟ بلى ولكني أكره بأن أصلحكم بفساد نفسي)، فالأمام اراد ان ينقل هذه الكاريزما الربانية الرائعة لأصحابه ويعلمها إياهم فكان يوصيهم بالورع في الناس والرحمة والرأفة عليهم كما قال لمالك الأشتر عندما ولاه مصر: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم)، وهذه الوصايا ليست لمالك وحسب بل هي منهج لكل حاكم يعاني الجفاء وفجوة الاتصال مع رعيته ولو طبقها ستحصد الثمرة سريعا ووجد الخير.
آليات اكتساب الكاريزما والشخصية القوية
لو سأل سائل كيف أمتلك سحر الشخصية وما هي طرق التأثير على الآخرين؟ إن هذه العوامل والطرق يجب اقتباسها من خلال متابعة حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، الثقافة الواسعة فهذه الصفة تعطيك بعداً واسعاً وأفقا رحباً في فهم الاخرين والتحدث اليهم والتقرب منهم وبالتالي اعجابهم بشخصيتك والتقرب منك.
فقد تميز أمير المؤمنين (عليه السلام) عن غيره من أقرانه وممن عاشروه في زمانه أو حتى بعد زمانه أنه يعد موسوعة علمية ضخمة فهو كالبحر لا تعرف أين شواطئه، بل كالسماء لا تدري من أين تبدأ به وأين تنتهي منه، وبكل العلوم، شامل مطلع سريع البديهة، دقيق الجواب، ثروة بالإنتاج المعرفي، معيناً لا ينضب وشروقا لا يخمد وكلما أوغلت في عمق هذا الرجل لن تصل الا الى اليسير منه، كيف لا وقد قال عنه معلمه ومربيه الرسول الاعظم: (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا علي لا يعرفك إلا الله وانا).
مسألة عن امرأة ولدت لستة أشهر
روي أن عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمّ برجمها فقال له الإمام علي (عليه السلام): إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك إن اللّه تعالى يقول: ﴿... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ...﴾
ويقول جلّ تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...﴾ فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين (أي أربعة وعشرين شهرا) وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا، فالحمل فيها ستة أشهر، فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم لذلك فعمل به الصحابة
والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا.
ثلاثة رجال يختصمون
عن شرح بديعة بن المقري أنه جاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ثلاثة رجال يختصمون في سبعة عشر بعيراً. أولهم يدعي نصفها وثانيهم ثلثها، وثالثهم تُسعها. فاحتاروا في قسمتها، لأن في ذلك سيكون كسراً (أي جزء من بعير). فقال (عليه السلام): أترضون أن أضع بعيراً مني فوقها وأقسّمها بينكم، قالوا: نعم، فوضع (عليه السلام) بعيراً بين الجمال، فصارت ثمانية عشر، فأعطى الأول نصفها وهو تسعة، وأعطى الثاني ثلثها وهو ستة، وأعطى الثالث تسعها وهو اثنان وبقي بعير له.
المصدر/ من كتاب اسرار القيادة عند الامام علي (عليه السلام)
اضافةتعليق
التعليقات