منذ كنت صغيرة أشارك في رحلة زيارة الأربعين كأي موالي وموالية في هذا اليوم العظيم نآزر آل البيت (عليهم السلام) ذهابا إلى سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) مشيًا على الأقدام.
ينتابني في هذه الأيام شعور التمني بياريت لو كان بيتي بعيدًا عن أرض كربلاء حتى أمشي من مكان أبعد نعم إنه شعور الغيرة من الموالين الذين يقطعون طرق بعيدة وكلما خرجت من مكان أبعد لآتي إلى إمامي الحسين مشيا مع الناس أحس أنني لم أوفيه حقه وعندما كبرت أيقنت أن الموضوع موضوع ولاء وحب وعشق حسيني وغيرة العاشق على معشوقه.
في كل عام عند خروجي في رحلة العشق أجدها تختلف عن العام الذي يسبقه من خلال جنون الموالين وعشقهم للحسين (عليه السلام) يزداد عاماً بعد عام، هل هو فعلا أن العشق والولاء يزداد بزيادة العشاق وتوافد المواليين أم هو العشق نفسه ولكن أنا أراه بعين النضج وفي كل عام أكتشف شيئًا جديدا وعشق من نوع آخر.
في بداية الخطوات الأولى برحلتي مع طريق العشق وأرى علامات العشق الحسيني في عيون الموالين نظراتهم مختلفة ولمعة عيون العشق لها ألف معنى وخطواتهم بكل نشاط وحيوية.
فعلا فأنا شخصيا كل يوم أذهب إلى دوامي متثاقلة بينما اليوم صحوت قبل موعدي الصباحي وخرجت كلي نشاط ورغبة وتفانٍ لم أشعر بتقاعس أو تعب يزداد شعور الحماس عندي عندما أرى هذه الحشود الرائعة تمشي بكل همة وحب وحماس.
وفي ساعات الصباح الباكر وكرم المواكب وتوزيعها للافطار وهم يدعون الضيوف بكل حب وترحاب جذبني رجل مسن على دراجة هوائية يحمل (الصمون) الحار والبيض بوجه بشوش مبتسم سلمت عليه وقلت له: هل لي أن أسألك سؤالا، أجاب: تفضلي يابنتي، قلت له: ماذا يعني لك الامام الحسين (عليه السلام)؟، أجاب: يعني لي الحياة فأنا ترعرت منذ صغري على حب ومبادئ أبا عبدالله عليه السلام فهو منهاج حياة، الحسين بنسبه لي الطاقة التي استمد منها زادي لبقيه العام ليكون وقودي لطاعه الله وامتثال أمره على قدر المستطاع.
تركته لأكمل طريقي وهو يتغنى بحبه للامام الحسين (عليه السلام) ومن هذه اللحظة قررت أن تكون رسالتي لهذا العام في رحلة العشق الحسيني أن أسأل كل عاشق حسيني: ماذا يعني لك الامام الحسين (عليه السلام)؟
أكملت مسيرتي وأنا فخورة كوني موالية لآل البيت (عليهم السلام) ووقعت عيني على سيدة مسنة في عمر السبعين عام تمشي بخطوات متعبة مستندة على عصا خشبية تمشي خطوة بخطوة وتجلس لترتاح قليلًا أقبلت عليها ورأيت ملامحها مخلوطة بين التعب والعزم ولمحت نظرة العشق في عينيها وسألتها: ماذا يعني لك الامام الحسين (عليه السلام)؟ تفاجئت من سؤالي وقبل أن تجيبني أجابتني دموعها التي نزلت متلألئة على خديها المتعبين لتعلن الولاء والحب الحسيني قبل لسانها.
يال هذا العشق الحسيني الذي يتسابق عليه أعضاء الأبدان قبل الأجسام نفسها. وبوسط غصة دموعها أجابتني: الحسين .. بإختصار شديد .. هو العالم ، فمهما تحدثت عن حبي وولائي إلى الامام الحسين روحي له الفداء فسأظل مقصرة في حقه.
أكملت مسيرتي الحسينية ودمعتي بعيني كيف لعاشق يقع بحب معشوق لم يره أو يتحدث إليه طرفة عين إنه التوفيق الإلهي فعلا الذي يجعل من أخوين أحدهما بعمر الثمان سنوات والآخر عشر سنوات يضعون طاولة صغيرة أمام منزلهما ويضيفون ضيوف أباعبد الله الشاي بأكواب بسيطًة جدا وابريق أصفر اللون والشمس تحتضنهم من كل اتجاه ينادون (هلا بزوار أبو علي) ذهبت إليهم وطلبت الشاي وكانوا سعداء بي جدا وشربت من أيديهم كوب الشاي وسألتهم: أليس الجو حاراً عليكم؟، قالوا: بلى ولكن يهون كل شئ من أجل خدمة الحسين (عليه السلام) قلت لهم: وماذا يعني لكم الإمام الحسين (عليه السلام)؟، أجابني الأخ الاكبر وبدون تردد: الحيسن ثورة في وجه الطغاة و كلمة حق في وجه الطاغوت، الحسين ثورة القيم وانتصار الحق على الظلم . تعجبت من فقاهة محبي وموالي الامام الحسين (عليه السلام). اتفق على حبه الطفل والشيخ الكبير والشاب الكل يصرخ يا حسين.
أكملت مسيرتي وسط هذا الكرنفال العظيم والمسيرة إلى العشق الكل يمشي بأمل اللقاء والمواكب ترحب من أجل الثواب والهدف واحد هو شهيد كربلاء الامام الحسين (عليه السلام) وقرب وصولي إلى حضرة الامام الحسين (عليه السلام) وقفت لأشرب الماء فالجو كان يلتهب حراً رأيت سيدة في أواسط عمرها مقعدة على كرسي متحرك دنوت نحوها وسلمت عليها وسألتها سؤالي، نظرت إلي وقالت: هو تلك القوة التي تجعلني أمشي الآن وأنا ليس لي أرجل تساعدني على الحركة أعجز عن الحديث في الإمام الحسين (عليه السلام) فقد تكلم عنه أنبياء ورسل وملائكة، وقال عنه الرسول الأعظم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسين مني وأنا من حسين) وهو سيد شباب أهل الجنة وخامس أصحاب الكساء ونكفي أن نقول الحسين هو الحسين، ياليتنا كنا معكم فنفوز والله فوزاً عظيما.
أكملت طريقي إلى جنة الله في أرضه وأنا غارقة وسط عشاق الامام الحسين (عليه السلام) إن هذه صورة العشق لا يستطيع رسام أن يرسمها ولا شاعر يصفها أنها أحاسيس مشاعر مترجمة.
جَسّد الإمام الحسين (عليه السلام) في سيرته المعطاء مبادئ الإسلام المحمدي الأصيل بأروع صورها وهو يعلن ثورته من أجل تحقيق القيمة الحقيقية للإنسان وحفظ إنسانيته وكرامته.
ترك (عليه السلام) إرثاً عظيماً لم يترك مثله عظيمٌ غيره في أمته، هذا الإرث الذي فاض بنوره على البشرية حتى أغدقها فكراً وعطاءً وغمرها ضياء وحياة فأزهرت به القلوب.
سيبقى اسمك أيها الشهيد الخالد أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) وتبقى كربلائك غصةً في أحشاء المؤمنين وعبرةً يبكي لها المفجوعون وتبقى ذكراك تنير في قلوب العاشقين.
اضافةتعليق
التعليقات