مشاعر النقص والكمال إذ يلاحظ المراهق نقاط القوة لديه على الصعيد العقلي والجسمي والسلوكي، كما يلاحظ ما للأسرة من مكانة على الصعيد الاجتماعي، وهذه الملاحظة تجعل المراهق يشعر بالثقة بالذات وبشيء من الزهو والتفوق على الأصدقاء والزملاء، صحيح أن رؤيته لكل ذلك كثيراً ما تفتقر إلى الوضوح والاتزان، لكن تركيزه على الميزات التي لديه ومبالغته في ذلك يولد لديه الكثير من مشاعر الرضا.
ويبدأ الصراع حين يحتك بالزملاء والأصدقاء وأبناء الجيران، ويدخلون جميعاً في تسابق للبرهنة على التفوق الشخصي والاجتماعي، حيث يكتشف كثير من المراهقين من خلال المقارنة المكثفة نقاط الضعف لديهم على الصعيد الجسمي والذهني والاجتماعي ، وكثيرًا ما يكون للألعاب الجماعية دور مهم في هذا، حيث يجد المراهق نفسه أحياناً منبوذًا ومرفوضًا من قبل الزملاء لأنه سيشكل عبئًا على فريقهم في حالة انضمامه إليه، ولا يخفى أن مشاعر المراهق وانطباعاته تظل ملفوفة بالغموض والإبهام، وهذا يزيد الطين بلة، ولعل الوقوف الطويل للمراهق أمام المرآة وولعه برؤية الأفلام هو جزء من مسعاه لحسم ذلك الصراع والتخلص من ذلك الغموض .
الصراع بين دواعي الاستقامة ودواعي الانحراف
حيث ينشأ المراهق في مجتمعاتنا الإسلامية وقد تشبع بالكثير من معاني العفة والاستقامة، فقد سمع الكثير من أبويه وأساتذته عن شناعة الزنى وعواقب السلوك الجنسي المحرم، كما أن المجتمع يراقب عن كثب وبحزم العلاقات التي يمكن أن تنشأ بين الذكور والإناث خارج مؤسسة الزواج، هذا كله يجري في الوقت الذي يشعر فيه المراهق وكأنه تحت ضغط فورة جنسية وعاطفية عارمة، وهذا يجعل سلوكه اليومي ميدانًا فسيحًا للصراع والتجاذب بين ما يتصل بمعاني العفة والحشمة، وما يتصل بمعاني الشهوة واللذة والغريزة، وإن للدائرة الضيقة من الأصدقاء تأثيرًا جوهريًا في حسم ذلك الصراع وترجيح إحدى الكفتين على الأخرى، كما أن هذا النوع من الصراع كثيرًا ما يكون مصدر قلق بالغ لأهل المراهق، ومصدر شك كبير لديهم في جدارة ابنهم بالثقة .
فما بين التحرر والانضباط تعد المراهقة مرحلة انتقالية من اعتماد على الآخرين اعتمادًا شبه كامل إلى الاستقلال شبه التام، ولهذا فإننا نلاحظ أن المراهق يميل إلى أن يعيش ويتصرف وكأنه حر من كل قيد، فهو يشعر بوطأة القيود والأعراف الاجتماعية، ويرى كثيرًا منها غير منطقي، ويتعجب من وجوده، ويتجلى ذلك في ملابسه وقصة شعره وبعض مواقفه السلوكية، كما يتجلى في عدم رغبته في الجلوس مع الضيوف والانصياع لتقاليد مسامرتهم وخدمتهم، وفي عدم رغبته في الذهاب مع أبيه لزيارة الأقرباء والأصدقاء، لأن الجلوس مع الكبار لا يسمح له بأن يتصرف على سجيته ، كما أن الكبار يثيرون في مجالسهم موضوعات كثيرة، لا تتصل باهتماماته، لكن هذه الرغبات لدى المراهق تصطدم برغبة قوية لديه وهي أن يشعر أنه شخص محترم في نظر أعمامه وأخواله وجيرانه وأصدقاء أبيه، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان يتمتع بالعضوية الكاملة في المجتمع الذي يعيش فيه، والتمتع بالعضوية يتطلب فهما جيداً للأمور التي يعدها المجتمع غير لائقة أو شنيعة.
وبعد الفهم يكون التقيد والانضباط، فالمراهقون في الغالب يعملون على حل جزئي لهذا الصراع، وهذا الحل يقوم على الرضوخ لتقاليد المجتمع قدر الإمكان، ولو كانت القناعة بها غير حاصلة، كما يقوم على تقليل الاحتكاك بالكبار وتقليل التحدث في مجالسهم خشية الوقوع في الخطأ، ويقوم كذلك على الاستفادة من خبرات أقرانهم في هذا الشأن، ومن هنا فإن جزءً من أحاديث المراهقين حين يجتمعون يتركز على استعراض المقالب التي وقع فيها بعضهم، واستعراض النجاحات التي أصابها آخرون، وبعد الاستعراض يكون التناصح وأخذ العبرة.
ما بين الهواية والظروف الموضوعية
حين يصبح الطالب في المرحلة المتوسطة تبدأ التساؤلات المزعجة تجتاحه حول التخصص الذي سيدرسه، وهل سيكون في اتجاه العلوم البحتة أو العلوم الإنسانية؟ المراهق بسبب ضعف خبرته في الحياة يظن في البداية أنه سيستطيع دائماً أن يدرس التخصص الذي يميل إليه، ويأخذ في نسج الأمنيات والأحلام التي ستحققها البراعة في دراسة ذلك التخصص، وحين يأتي وقت الاختيار ووقت القرار في المدرسة الثانوية أو في الجامعة، فإنه يكتشف أن الأمور أعقد مما كان يظن، بل إنه يكتشف أنه غير متيقن فعلاً مما يريد دراسته وتتطابق مع المحيط والظروف الاجتماعية فيتذبذب بين الهواية والتخصص ويختار وفق الاختيارات المتاحة.
اضافةتعليق
التعليقات