المراهقة مرحلة انتقالية ومن شأن المراحل الانتقالية الاضطراب والغموض ومن الواضح أن الطفل في أول سنوات المراهقة يكون مشغولاً بالتخلص من قيود الطفولة وتصورات وسلوكيات الأطفال، حين يبلغ السادسة عشرة أو السابعة عشرة فإنه يشرع في التخلص من تقلبات المراهقة حيث يبدأ بإدراك الوضعية الفضلى التي ينبغي أن يكون عليها.
وقد أشارت عدد من الدراسات التي أجريت على المراهقين إلى شيئين مهمین:
الأول، هو أن الغدد في أجسام الفتيان والفتيات تفرز في هذه المرحلة مقادير عالية من الهرمونات، تؤدي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة وشديدة وهذه التفاعلات تتبدى في شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور وفي شكل غضب واكتئاب عند الإناث.
الثاني، هو أن المخ عند المراهق يستمر في النمو وقد ظهر أن المنطقة المسؤولة عن العاطفة تبلغ مرحلة النضج بسرعة أكبر من سرعة نضج المنطقة المسؤولة عن التفكير العقلاني، وهذا يجعل المراهق يميل إلى المغامرة والمخاطرة، ويولد لديه نوعاً من الاضطراب العاطفي، هذا كله يعني أن المراهق كثيراً ما يجد نفسه أسيراً للتغيرات التي تحدث في داخله مما يرتب علينا نوعاً من إعذاره، ونوعاً من مساندته ومعاونته حتى يجتاز هذه المرحلة بسلام.
ارتباك المراهق: الارتباك والحيرة هما الطابع الأساسي الذي يطبع الحالة النفسية والعقلية للمراهق، فهو يجد نفسه وقد أصبح على نحو مفاجئ في عداد البالغين، وهذا يثير في نفسه فيضاً من الأسئلة حول مدى ما يتمتع به من كفاءة وصلاحية لبناء أسرة جيدة ومع أن العاطفة والغريزة مشتعلة في نفسه وجسمه يشعر أنه تابع للبيئة التي يعيش فيها، كما يشعر أن تجربته في كل شيء محدودة، أما طموحات المراهق فهي واسعة جداً، لكنه عاجز عن تحديد ما يريده، إنه يتصرف في كثير من الأحيان كما يتصرف الأطفال ويريد من الكبار أن يعاملوه على أنه رجل وهذا يثير لدى الأبوين الكثير من الإزعاج والإشفاق.
إن المراهق ليس طفلاً صغيراً لهذا فإنه لا يستفيد من ميزات الأطفال ولا يستمتع بالحنان الذي يظفرون به وهو ليس كبيراً حتى يستثمر المزايا التي يستمتع بها الكبار، إنه يحلم ويحلم وبعد حين يشعر أنه يتعامل مع واقع مغاير تماماً لما يتمناه.
مثالية المراهقين: لدى المراهقين والمراهقات كثير من النقاء والبراءة تتجسد في نهاية الأمر في (النظرة المثالية) للحياة والأحياء، إن المراهق يقرأ في المناهج المدرسية عن النظافة واللياقة الاجتماعية، ويقرأ عن الصدق والاستقامة والتوفير وحسن التدبير وفضائل أخرى كثيرة من هذا النوع، ويتجاوب مع ما يقرأ عقلياً وعاطفياً، ومن ثم فإنه يكون حاداً في نقده لكل المواقف والتصرفات التي تخرج على ما يعده فضيلة من الفضائل.
أحد الفتيان كان جالساً على مائدة الطعام أهله، فتغيرت ملامح وجهه، وظهر عليه الانزعاج الشديد، واستغرب الأب من ذلك لأنه لم ير شيئاً غير طبيعي، وحين سأل ابنه عن سبب انزعاجه رفض أن يجيب في البداية، وبعد الإلحاح قال: إن أخاه الكبير يأكل بسرعة، وهذا ينافي آداب الطعام!
إحدى الفتيات أغلقت باب غرفتها عليها بغضب شديد، وأخذت في البكاء، وذلك لأن أخاها قال لها بصوت مرتفع: عليك أن تنهي مع زميلتك فوراً لأنني في حاجة إلى الهاتف، وتقول: إن زميلتي سمعت ذلك، واستغربت من أسلوب خطاب أخي لي! فتاة أخرى رفعت صوتها على والدتها بسبب أنها استقبلت إحدى صديقات الفتاة بثياب المطبخ مما يشكل خروجاً على آداب استقبال مكالمتك الضيوف.
أحياناً تتجاوز مثالية المراهقين وانتقاداتهم كل الحدود، وذلك حين يتنكرون جهود الأهل في خدمتهم والإنفاق عليهم، فقد حدث أن احتاج أحدهم وعلى نحو طارئ إلى مبلغ كبير من المال، وحين طلبه من والده، قال له والده: المبلغ غير متوافر الآن، وعليك أن تنتظر يومين، هنا صرخ المراهق في وجه أبيه: كنت قد قلت لك: إنني قد أحتاج إلى المبلغ فجأة، وقلت لي: في أي وقت تطلبه سيكون حاضراً!، لا نبالغ إذا قلنا: إن جزءاً كبيراً من مشاكسات المراهقين مع أهليهم وأساتذتهم يعود إلى ما لديهم من مثالية زائدة وفهم متخشب للأمور، هذه الوضعية تعود إلى أن المراهق لا يستطيع رؤية الفجوة التي تفصل بين النظرية والتطبيق، فهو لا يعرف مدلولات الكلمة على نحو دقيق، ولا يعرف الوقع الاجتماعي للكلمات، كما لا يعرف الظروف والاعتبارات التي تحمل الناس حملاً على أن يقفوا بعض المواقف، ويسلكوا بعض السلوكيات التي لا تتفق بشكل حرفي أو جيد مع ما هو موجود في الكتب من أدبيات وأخلاقيات.
كما أن المراهق يميل بطبعه إلى الشعور الشديد بالخطر، فهو يظن أنه إذا أخفق في مقابلة أو ظهر بمظهر غير لائق في موقف معين أو تكلم بكلمة غير مناسبة مع أحد الناس، يظن أن ذلك يضع كل شيء على حافة الانهيار، وذلك لأنه يمنح الأشياء أهمية مطلقة، وهذا بسبب عدم استطاعته رؤية الأشياء على أنها جزء من منظومات كبيرة، ومن ثم فإن أهميتها تكون نسبية، فمثالية المراهق لا تدفعه إلى نقد غيره بحدة فحسب، وإنما تولد لديه قدراً كبيراً من الشعور بالخوف والقلق كما أنها تدفعه إلى أن يكون عنيفاً تجاه نفسه فهو لا ينسى بسهولة أخطاءه، كما أنه لا ينسى أخطاء غيره معه.
باختصار أقول: إن عدم نضج الجانب العقلي والشعوري لدى المراهق بشكل كاف هو الذي يولد في نفسه هذا القدر الكبير من المثالية على أن مثالية المراهق لا تخلو من فائدة؛ لأنها تنبه الأسرة والمجتمع إلى الكثير من الأخطاء السائدة كما أنها تفتح وعي المراهق على رؤية ما لدى الناس من خير وشر وصواب وخطأ وهذا يؤهله لدرجة حسنة من الرشد الاجتماعي في المستقبل
اضافةتعليق
التعليقات