لدى معظم الناس شعور قوي بأن مراهقي زمانهم هم الأسوأ، أما مراهقو الأجيال السابقة، فهناك انطباع عام بأنهم أهدأ وأكثر تحملاً للمسؤولية، ومشاكساتهم لأهليهم أقل وهذا يجعل موقفهم من المراهقين يتسم بالحدة والشكوى، وإن الأسباب التي تجعل تصرفات المراهقين غريبة وموضع استنكار هي نفسها في كل زمان ومكان، لكن الأوضاع الاجتماعية هي التي تختلف من جيل إلى جيل.
في الماضي كان الناس يعيشون في قرى صغيرة وكان الأقرباء كثيراً ما يسكنون في حي واحد كما أن احترام كبار السن كان من الأسس الاجتماعية الراسخة، أضف إلى هذا أن خوف الناس من الفضيحة كان أكبر مما هو عليه اليوم، وكانت مساحة الحرية الشخصية أضيق، كل هذه المعطيات والحيثيات تجعل الفرصة أمام ظهور أخطاء المراهقين أقل، أي تجعل ظاهر كثير من المراهقين خيراً من باطنهم ولا نستطيع أن نتجاهل دور وسائل الإعلام اليوم في التركيز على أخطاء المراهقين، وإبرازها، فإذا ضرب أحد المراهقين معلمه أو غش في الامتحان بطريقة مبتكرة، فإن الإعلام ينشر ذلك على أنه وباء اجتاح كل المراهقين وكثيراً ما يكون الأمر مغايراً لذلك السؤال الجوهري هو: هل كان المراهقون في بيئاتنا العربية قبل مئة سنة أتقى لله وأكثر استقامة من مراهقي هذا الزمان؟ الجواب فيما يغلب على ظني أنهم لم يكونوا أتقى ولا أنقى، ففي فتياتنا وفتياننا اليوم أعداد كبيرة يقومون الليل، ويقرؤون القرآن، ويبادرون إلى الخير.
الرغبة في الاستقلال
جعل الله عز وجل المراهقة مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، ولهذا فإن أحد مفاتيح فهم شخصية المراهق يتمثل في إدراك الأنشطة والمواقف التي يحاول المراهق من خلالها أن يثبت لنفسه ولمن حوله بأنه جدير بالاحترام وجدير بأن يعامل على أنه شخص كامل الأهلية وذو رأي ناضج ومعبر عن خبرة وتجربة، مساعي المراهق للاستقلال كثيراً ما تتجلى في مجادلة والديه وإخوته في أمور تافهة وصغيرة وهو حين يجادل لا يشك في أن رأيه صواب وأن رأي غيره خاطئ مئة في المئة.
في يوم من الأيام دخل أحد المراهقين إلى بيت أهله وهو غاضب وحين سألته والدته عن سبب غضبه أبى أن يتكلم وبعد إلحاح شديد قال: إن خالي أهانني إهانة شديدة وذلك أني ألقيت عليه السلام مرتين، ولم يرد علي وأخذ الفتى يتحدث بصوت مرتفع مع شيء من الهياج عن أن رد السلام واجب ولو كان الذي يلقي السلام صغير السن، ثم شرع يذكر لوالدته سبب عدم رد خاله للسلام، وأنه يكمن في أن علاقته -أي الخال- مع أبيه ليست جيدة بسبب نزاع على ملكية إحدى الأراضي، فأحب أن يتجاهله، ويُعرض عنه، وقد حاولت والدته إقناعه بأن ذلك لم يكن مقصوداً، وأن خاله لم يسمع بالتأكيد سلامه، لكن الفتى كان يرفض ذلك بشدة، ويرد على والدته كل كلمة تقولها، وكل احتمال تسوقه، قالت والدته: سوف أسأل خالك عن هذا، وأحاول فهم أسباب ما جرى، وكان رد الفتى: أن لا فائدة من ذلك لأن خاله لن يقول الحقيقة! وحين سألت الأم أخاها عن ذلك أقسم يميناً مغلظة أنه لم ير ابن أخته، ولم يسمع تسليمه، وأنه كان وقت مرور ابن أخته في حالة سيئة جداً بسبب ما سمعه عن طلاق ابنته من زوجها ومع هذا فإن الفتى لم يقتنع!
إن الطفل يقول: أنت، وإن المراهق يقول: أنا، أما الراشد، فإنه يقول: نحن هكذا هي مرحلة المراهقة إنها مرحلة اعتزاز بالذات وبناء للاستقلالية لكن هذا مؤقت وحين يكبر المراهق، ويدخل في مرحلة الشباب، فإن الحس الجماعي سينمو لديه، ومع نموه سوف يتعلم كيف يتقبل الآخرين، وكيف يعذرهم، وكيف يعايشهم، في بعض الأحيان يتجلى سعي المراهق إلى الاستقلال في إغلاق باب غرفته عليه دون أي سبب يدعو إلى ذلك، إنه يريد أن يؤكد أن هذه المساحة من المنزل له وحده، ولا ينبغي اقتحامها إلا بإذنه، لكن الأهل يستنكرون ذلك أشد الاستنكار، وكثيراً ما يثير ذلك في نفوسهم الشك والريبة، ولهذا فإنهم يحذرونه مئات المرات من إقفال الباب على نفسه، وهو مصر على القيام بذلك من أجل توكيد معنى الخصوصية والانعتاق من التبعية.
كثرة الخروج من المنزل تعبير آخر عن الاستقلال، فالمراهق يدرك أنه مادام داخل المنزل، فإن عليه أن يتلقى الأوامر، ويسمع ويطيع ويرضخ لسلطة الكبار في المنزل، أي أن استقلاله وهو في بيته يكون دائماً منقوصاً، ويكثر خروج المراهقين من منازلهم في أيام الإجازات، حيث لا يكون للبقاء في المنزل أي معنى.
البحث عن مجموعة ينتمي إليها، يشعر المراهق بأنه ينتمي إلى جيل مختلف عن جيل أبويه وهذا الشعور عميق جداً لدى كثير من المراهقين، وهم قد لا يدركون ذلك لكنهم يعبرون عنه بأساليب مختلفة منها التلميح بأن آباءهم وأمهاتهم تقليديون وحرفيون ومحافظون أكثر من اللزوم، وهذا الشعور لديهم هو نتيجة لاعتقادهم أن أهليهم لا يعرفون روح العصر، ولا يستوعبون متطلباته على نحو كاف وهكذا نجد أن بعض المراهقين يرفعون صوت المذياع وهم يستمعون إلى موسيقا صاخبة، أو يتجمهرون في زاوية أحد الشوارع وهم يضحكون بصوت مرتفع وحين يأتي من ينكر عليهم ما يفعلونه يستغربون ذلك منه ويتهامسون بضرورة التسامح معه لأنه لا يعرف التغيير الذي طرأ على الحياة والأحياء!.
حين يشعر المراهق بأنه ينتمي إلى جيل مختلف عن جيل أبويه، فإن هذا لا يعني أبداً أنه لا يقدر أبويه، ولا يكن لهما الكثير من الحب والاحترام، فهو يعذرهما في مواقفهما، ولا سيما إذا كان فارق السن بينه وبين أبيه يصل إلى أربعين أو خمسين عاماً، لكن شعور المراهق بوجود فجوة تفصله عن أبويه، يدفعه إلى البحث عن أصدقاء يشعر أنهم يشاركونه رؤيته للحياة ومشاعره حول أحداثها ومتطلباتها، وهكذا نجد أن للمراهقين مجموعات من الأصدقاء الذين يتعرفون عليهم في المدرسة والحي وفي المناسبات الاجتماعية التي تجمعهم مع بعض أقربائهم وأبناء أصدقاء آبائهم.
اضافةتعليق
التعليقات