لماذا لا نتقرب من الله إلا حين نُصاب بوجعٍ يهز قلوبنا؟
لماذا نذكره فقط عندما تضيق بنا الدنيا، ونغفل عنه حين يحيطنا بالخير والنعم؟
نحن جميعًا مسلمون ونتبع ملة محمد (ص)، لكن ليس كل مسلمٍ مؤمنًا حق الإيمان.
فالمؤمن هو من يُطبق أوامر الله ويبتعد عن نواهيه، من يذكر ربه في الرخاء قبل الشدة، ويقوم بأبسط الأعمال الصالحة حبًا لله، لا طلبًا لمصلحة.
وصلت الينا قصة من زمنٍ مضى مع عبرتها، عاش رجلٌ رزقه الله ثلاث بنات وولدًا واحدًا، فغلب عليه حبّ ابنه الوحيد حتى فضّله عليهن، وأهمل عباداته وانشغل بولده عن ربه.
كان يرافقه في كل مكان، لا يرد له طلبًا، ويجعل بناته في خدمته كأنه أميرُ البيت.
حتى جاء اليوم الذي اختفى فيه الولد في نزهةٍ ولم يعد...
جُنّ الوالد من الحزن، وبحث عنه في كل مكان، ولم يجد له أثرًا، حتى سجد لله باكيًا، داعيًا من أعرض عنه طويلًا، وقال في تضرّعه:
"يارب، ان عاد إليّ ولدي ، لأتُبنّ اليك، ولأعدلَنَّ بين ابنائي، ولأكوننَّ عبدًا شاكرًا بعد نسياني."
وبإرادة الله عاد الولد سالمًا.
ومنذ ذلك اليوم، تغيّر قلب الأب وعاد إلى ربه، وأدرك كم كان ظالمًا حين جعل حبّ ابنه يطغى على حبّ خالقه.
ومضت الأيام، حتى ابتُلي الابن ثانيةً بحادثٍ كاد يودي بحياته، فبكى الوالد خجلًا من تقصيره القديم، وسجد لله نادمًا، يرجوه أن يغفر له ويرحم ولده.
وهنا فهم أن الابتلاء لم يكن عذابًا، بل نداءً من الله ليعود إليه.
وكأن هذه القصة تُعيد إلى الأذهان قصة نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) حين ابتُلي بفقد ابنه يوسف، الذي أحبه حبًا شديدًا حتى عُدَّ من البكّائين، فابتلاه الله بفقده سنين طويلة ليعلّمه الصبر الجميل، وليُظهر أن المحب الحقيقي هو من لا يجعل الحبّ يصرفه عن خالقه، بل يقوده إليه، كما قال تعالى على لسانه:
"فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ."
فالعبرة من قصتنا لهذا اليوم :
إن الله لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليوقظ فينا الإيمان.
فلا ننتظر المصائب لنمدّ أيدينا إلى السماء، ولا ننتظر الدموع لنتذكر أن لنا ربًا يسمعنا في كل حين.
تخيل لو أن صديقك لا يذكرك إلا حين يحتاجك، هل ستبقى العلاقة صادقة؟
كذلك نحن مع الله، كم مرة نطلب ولا نشكر، ونتوسل ولا نذكره إلا في الشدة؟
قال تعالى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ" من سورة البقرة آية 152.
وما أجمل أن نكون من الذين يذكرونه في الرخاء، فيذكرهم في البلاء.
فلنكن من الذاكرين الشاكرين في كل حين ، نسبّح في الرضا كما نسبّح في الألم، حتى إذا جاء الابتلاء، استقبلناه بطمأنينة من يعرف أن الله لا يُبتلي إلا من أحبّه، وأن كل وجعٍ فيه طريقٌ للرجوع إلى النور ..




اضافةتعليق
التعليقات