قد تظنّ أنّك منهك بسبب وجود الكثير من المهام التي يجب عليك إنجازها. لكن ثمة سبب آخر وفق كتابٍ جديد.
قال رئيس قسم إدارة التكنولوجيا في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا بأمريكا، بول ليوناردي، إنّ التنقل بين الأفكار ومنصات التكنولوجيا يسبب لنا حالة إرهاق تام.
قبل استنزاف طاقتك.. 9 طرق للتعامل مع الإرهاق الرقمي
شرح ليوناردي كيف يحدث ذلك في كتابه الجديد "الإرهاق الرقمي: قواعد بسيطة لاستعادة حياتك" (Digital Exhaustion: Simple Rules for Reclaiming Your Life).
هذا ما قاله ليوناردي حول أسباب شعورنا جميعًا بالتعب وما يمكننا فعله حيال ذلك.
تم تحرير المقابلة بشكلٍ طفيف بغرض الوضوح والإيجاز.
CNN: أنت تعتقد أنّ أحد أسباب شعورنا بالإرهاق مرتبط بتنقلنا المستمر بين التطبيقات والمنصات المختلفة. كيف يُشعِرنا ذلك بالتعب؟
بول ليوناردي: كل أداة نستخدمها تتطلب قدرًا من التركيز الذهني، لذا علينا تعلّم كيفية استخدام الأداة التي نتعامل معها. مع الانتقال من واحدة إلى أخرى، نحتاج إلى الانفصال وإعادة التركيز على مجال جديد، كما نحتاج أيضًا إلى تغيير طريقة استخدامنا لتلك الأداة.
أدمغتنا ليست جيدة في التنقل بين المهام بهذه السرعة، لا سيّما أننا لم نتطور لنتمكن من إجراء هذه التنقلات بالسرعة التي نفعلها اليوم، الأمر الذي يُشعرنا بالإرهاق.
CNN: لقد اكتشفت أنّنا غالبًا لا ندرك مدى شعورنا بالتعب من كل هذا التنقل الرقمي. لماذا؟
ليوناردي: يعود ذلك إلى الطريقة التي تطوّرت بها أجسامنا مع مرور الوقت. لدينا إشارات حسية جيدة تخبرنا عندما نشعر بالتعب الجسدي، وإلا قد ننهار، وهذا خطر.
لذلك، يعلم جسدنا كيف يرسل الإشارات إلى أدمغتنا ليقول لنا: توقف.
لكننا لم نتطور لنجلس في مكتب أمام جهاز الحاسوب، لذا لا يعرف دماغنا كيف يُخبر نفسه بأنه متعب. يمكننا الاستمرار في إرهاق أنفسنا، لكن هذا الإرهاق يتراكم مع الوقت. ومن ثم نشعر وكأن شاحنة كبيرة صدمتنا.
مواقع التواصل والإرهاق
التواصل الشخصي أفضل من المراسلة النصية، عندما يكون ذلك ممكنًا، لأنه يساعد على تقليل الإرهاق الرقمي وبناء علاقات أعمق.
CNN: ماذا نفعل لمعالجة هذا الإرهاق؟
ليوناردي: التفكير بتقليل أنواع التنقلات التي نقوم بها خلال اليوم.
في الكتاب، أتحدث عن ثلاثة أنواع من التنقلات. يعني التنقل بين الوسائط، الانتقال بين الأدوات المختلفة، مثل منصات مؤتمرات الفيديو التي تستخدمها.
قد تستخدم منصة "Zoom" ومن ثم تنتقل إلى "Microsoft Teams" على سبيل المثال. إنّها تبدو مماثلة إلى حدٍ كبير، لكن كم مرة كنت في اجتماع وفكرت: "أحتاج لمشاركة شاشتي، كيف أفعل ذلك في هذه المنصة؟".
هذه التغييرات الصغيرة كفيلة بإرهاقنا عندما تتراكم مع مرور الوقت.
النوع الثاني هو التنقل بين المجالات، ويحدث عندما نعمل على مهمة معينة، ونتعرض لمقاطعة، فننتقل بعد ذلك إلى مهمة مختلفة. الانفصال عن المهمة وإعادة التركيز على أخرى يتطلب جهداً كبيراً. إنه عبء هائل ندفعه باستمرار.
الثالث، التنقل بين مجالات الحياة المختلفة. كم مرة خلال يومك تتلقى رسالة قصيرة سريعة من مدرسة طفلك؟ أو يتصل بك السباك ليخبرك بأنه سيتأخر ويريد مناقشة مشكلة في منزلك؟ هذه التنقلات بين مجالات كبيرة جدًا تكون أكثر إرهاقًا لأنها تخرجنا تمامًا من سياق تفكيرنا في مجال معين، ثم نضطر إلى العودة إليه.
وسائل التواصل والإرهاق
يؤكد خبير إدارة التكنولوجيا بول ليوناردي أنّ الدماغ البشري لم يتطوّر بما يكفي لمواكبة الطريقة التي نستخدم بها التكنولوجيا اليوم.
CNN: تقول إن وسائل التواصل الاجتماعي هي أكثر أنواع المنصّات إرهاقًا. لماذا؟
ليوناردي: أتحدث عن ثلاث قوى تُجهدنا.
القوة الأولى هي الانتباه. نحن نستمر بالتنقل بين الأمور المختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إشعارات التطبيقات المتعدّدة. في البدء، كبس شخص على زر إعجاب بشيء ما، ومن ثم يظهر إعلان.
القوة الثانية هي استخلاص الاستنتاجات. نحصل على جزء من المعلومات، لكنّها غير كافية لتكوين صورة كاملة. لذلك، علينا ملء الفراغات، وهذا الأمر يتطلّب جهدًا. على وسائل التواصل الاجتماعي، نستمر باستخلاص الاستنتاجات.
القوة الثالثة تتمثل بالعاطفة. عندما تتأجج مشاعرنا، على نحو إيجابي أو سلبي، فهذا أيضًا مرهق. عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، نقارن أنفسنا بالآخرين، فنشعر بالغيرة عندما يقوم شخص ما بشيء نتمنى لو فعلنا مثله، أو نشعر بالانزعاج عندما نرى مجموعة من الأصدقاء مجتمعين ونحن لم نشارك معهم.
CNN: تقول إنّ تجنّب هذا النوع من الإرهاق صعب تحديدًا بالنسبة لمن يعملون من المنزل. لماذا؟
ليوناردي: أحد الأسباب الكبيرة التي تجعل العاملين عن بُعد يعانون من الإرهاق أكثر من الأشخاص في المكتب يتمثّل بصعوبة خلق فاصل بين العمل والمنزل. هم يحاولون باستمرار إدارة هذا الحد الفاصل، وهذا أمر مرهق جدًا.
كما أنهم يعتمدون أكثر على الأدوات في كل شيء، لذلك لا يحصلون على استراحة.
أنت أيضًا تدير حضورك أثناء العمل من المنزل. يجب أن تتأكد من أن الناس يعرفون أنك متاح، لأن ذلك يؤثر على تصورهم لأدائك الوظيفي. لذلك، أنت تقوم بنوع من "التمثيل"، وهذا مرهق أيضًا.
CNN: أنت توصي بإيقاف عرض صورتنا في الاجتماعات. لماذا؟
ليوناردي: أعتقد أنّ ذلك فكرة جيدة أحيانًا. نحن نميل إلى التركيز على أنفسنا، وهذا يخلق شعورًا بالوعي بالذات. كما أنه يزيد الجهد المطلوب لإدارة صورتنا أمام الآخرين.
تخيّل لو كنت تتحدث مع أصدقاء، أو كنت في اجتماع، وكان أمام وجهك مرآة طوال الوقت. ستفكر: ’يا إلهي، كيف أبدو الآن؟ هناك هالات تحت عيني، لا أصدق أنني قمت بتعبير الوجه الغبي هذا‘. نحن لا نفعل ذلك في الحياة العادية.
هذه الأنشطة الصغيرة الإضافية تتراكم مع الوقت وتتسبّب بإرهاقنا.
CNN: ما أفضل نصيحة تقدمها للآباء والأمهات المرهقين من متابعة الدردشات الجماعية المستمرة حول النقل المشترك أو مباريات كرة القدم؟
ليوناردي: لم أكن أرغب بمناقشة هذا الموضوع في كتابي، لكنه كان بارزًا في المقابلات التي أجريتها.
إحدى الاستراتيجيات التي سمعت عنها وكانت فعّالة هي حساب ما إذا كان تنظيم النقل المشترك يستحقّ فعلاً الوقت الذي تقضيه لتنسيقه.
أحيانًا يعادل الوقت الذي تقضيه بمراسلة الآخرين الوقت ذاته الذي ستستغرقه إذا قمت بتوصيل طفلك بنفسك.
تمثّلت استراتيجية أخرى استخدمها البعض لتقليل هذه المراسلات في محاولة التنسيق شخصيًا.
عندما يرون (الآباء الأمهات) بعضهم خلال مباراة كرة القدم، يجرون محادثة طويلة حول خطة الأسبوع التالي.
يجد الكثير من الناس أنهم يطوّرون علاقات أعمق لأنّ النقاش حول النقل المدرسي يتحول إلى مدخل لمحادثةٍ أعمق. هذه العلاقات أكثر إرضاءً من المعاملات التي تتم عبر الرسائل النصية. حسب cnn عربية
اضافةتعليق
التعليقات