إرادة العالم الاسلامي موجودة وهي أن يعيش حياته وفقاً للإسلام، وأكثرية المسلمين توافق على اختيار الإسلام نظاماً للحياة. ولكن سبب إحجام المسلم عن التضحية بالنفس والمال هو عدم وضوح جدوى التضحية، أو جهل الطريقة المجدية للبذل.
ولكن أكثر الذين يتحدثون عن مصائبنا وهزائمنا، يرون السبب في عدم الإيمان أو نقص الإرادة، لأن النصر في زعمهم لا يحتاج لغير الإيمان الذي انتصر به الصحابة، وبهذا يرفعون عن كاهل الجيل مسؤولية عبء الدرس لتحصيل القدرات الفهمية التي يحتاج إليها العالم الإسلامي ليخرج من محنته.
إن العلم المطلوب تحصيله هو الذي يغير ما بالنفوس، ولكن جهود العلماء المسلمين في العصر الحديث اتجهت في الغالب إلى تصحيح العقيدة والدفاع عن الإسلام وتمجيده.
ولكن لمَ لمْ تصنع إرادات المسلمين قدراتهم طالما عندهم إرادات؟
أولاً: لأن المسلم فقد العلم والمعرفة لما يقوم به ويؤديه على الوجه الصحيح حتى يحقق إرادته، ولهذا فإن الإخلاص مع الجهل لا يجدي. ومن الجهل فقدان المقياس الموضوعي الذي يميز به المسلم النافع من الضار، وهذا يؤدي إلى الخوف والانكماش أمام كل جديد وإن كان يحمل النفع.
ثانياً: الفهم الخاطئ لقدر الله، وذلك أن المسلم زهد في بذل الجهد حين رأى أن إرادته لا تتحقق بجهده الشخصي وإنما بأمر الله، فتبقى إرادته لا تحمله على السعي لإيجاد القدرات.
ثالثاً: نظر المسلم إلى أحداث الكون والحياة نظراً يخلو من البحث عن القانون والسبب وبداية الأمور وتكونها "كيف بدأ الخلق"؟.
عمى الألوان
العمى الفكري هو الذي يجعل الانسان لا يرى الأمور والأحداث متكاملة مترابطة، بل يرى جانباً منها دون الآخر ويغفل عن الأسباب، وهذا ما يجعله يتخبط ويقع في حيرة.. وقد سمى القرآن هذا الأمر: "عمى القلوب".
وقد يكون المصاب به مؤمناً مستعداً للتضحية، ولكنه يجهل السبل القويمة، كما أنه لايظهر عند العامة فقط بل عند الخاصة الذين يجهلون سبل استخدام أنفس وأموال الذين يستعدون للتضحية.
والخلاص منه إنما يتم بالقدرة الفهمية التي يحتاج إليها المسلم، وإنما فهم الناس العكس وهو أن الحاجة إلى زيادة الإيمان.
وعدم وضوح هذا الأمر سبَّب الخلط بين القدرة والإرادة، أو بين الإيمان والإسلام. وقد أدى اختلاط موضوع المؤمن بالمسلم إلى تفرقة وآراء متشعبة، وإن أكثر شبابنا المتحمس اليوم يذهب من غير شعور إلى رأي الخوارج الذين يكفّرون بالمعصية. إن الإيمان أكثر ثباتاً من الإسلام وأسرع حصولاً عند الإنسان، وقد يتم دفعة واحدة، بينما الإسلام معرفة وتطبيق، والصلة بينهما جدلية.
إن وجود من يستعد لبذل المال والنفس بين المسلمين في سبيل الله، وقلة من يبذل سنين طويلة من البحث الجاد لفهم مشكلات المسلمين على مستوى العصر.. إن هذا الأمر لدليل على وجود الإرادة أو الإيمان، ونقص القدرة وخاصة الفهمية وهي مشكلة العالم الثالث – لا مشكلة المسلمين وحدهم – حيث تفتقد الكفاءات في تحقيق الإرادات. وحيث يكون التقصير فالسبب نقص القدرات وليس انعدام الإخلاص والإيمان.
والمسلم لا يريد أن يعترف بعجزه، ولا يستطيع أن يعترف بخطئه لأنه لا يعرف كيف يتخلص منه، ولا يرى البديل.
القدرة والارادة كشريعة وحقيقة
يسمي الصوفية أنفسهم أصحاب الإرادات ويعتبرون أنفسهم أصحاب الحقيقة، إلا أن المتصوف يغرق في الإرادة ولا يعود يفرق بين إرادة كونية وأخرى شرعية، وذلك حين يرى الكون كله مراداً لله بما في ذلك المعاصي، فتنشأ الشطحات والتشويش. بينما يظهر الجمود عند الفقيه الذي لا يعود يستطيع حركة ولا اجتهاداً. ويظهر هذا ويكثر في عصور التخلف.
موقف أهل الدين والسياسة من نقص القدرة والارادة
إن النقص عند المسلمين اليوم هو في جانب القدرات أو جانب الصواب، مع أن الادعاء لديهم بأن النقص في جانب الإرادة أو الإيمان أو الإخلاص. وبسبب من هذا الخطأ فإن أهل الدين يتزمتون ويرمون من يخالفهم بالكفر ويشككون في إيمان من يسعى لاكتساب قدرات جديدة، وإن أهل السياسة يدين بعضهم البعض الآخر بنيته وإخلاصه، ويتهمه بالخيانة والعمالة، ولا يتهمه بنقص القدرة أو العلم. والأسلوب عند أهل السياسة والدين واحد وهو أسلوب السهولة؛ لأن تحصيل القدرات يحتاج إلى جهد وأدلة. إن أسلوب السهولة يجد أرضاً خصبة في مجتمع فقدت فيه الأفكار قيمتها، ولهذا الأسلوب خطره في فرض الرقابة ومصادرة الفكر، والاعتماد على الاخلاص دون الوعي.
اضافةتعليق
التعليقات